جُرعة من الحب تكفي..

الحياة أبسط من أن تخضع لقوانين قاسية كتلك التي يفرضها البعض على أنفسهم ويدفع ثمنَها أولئك الطيبون الذين يحيطون بهم

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/21 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/21 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش

عندما أتأمل الناس وعلاقاتهم بعضهم ببعض، أغبط أشخاصاً وأشعر بالشفقة تجاه آخرين. أغبط أولئك البسطاء العفوين الذين يقدّرون كل شيء جميل في هذا الكون، أولئك اللُّطفاء الذين لا تُغادر البسمة شفاههم وتشع ملامحهم بالأمل.

إنهم يستحقون كل الحب لأجل صفاء نيتهم وبراءة عفويتهم، تُحس بخفَّة ونقاوة أرواحهم المرحة وهي قادمة صوبك لتسأل عن أحوالك، لا تملك إلا أن تُرحب بقدومها بابتسامتك الجميلة وكأنك تستقبل فَراشاً جميل الألوان أتاك يحمل معه بشرى قدوم الربيع، طوبى لهم؛ لأن التصنع والنفاق صفتان لم تنالا بعدُ من طبائعهم، تشعر وكأنهم تجسيد جميل وحقيقي لمعنى الإنسانية.

في منظوري الصغير، أرى أن الإنسان كذلك، ابتدأ مشواره في هذا العالم مُحبِّاً لغيره وعفوياً في تصرفاته، قبل أن "ينقلب طبعه" بفعل عوامل التعرية، وقبل أن تُصادفه عواصف وأعاصير قاسية جعلته يعتقد أن السبيل الوحيد للنجاة هو "ممارسة القسوة" بكل أشكالها وباختلاف تجلياتها.

ولكن، كونك تعرضت لمواقف قاسية في حياتك، ومهما بلغت شدة تلك القسوة، فهو أمر لا يمنحك ألبتة، الحق في ممارسة قسوتك على من حولك، فالقسوة لن تحفظ لك من تحب ولن تَشفي جراحك مهما كانت ضاربة في العمق آثارُها؛ بل ستكون أول من يدفع ثمنها حين تجد نفسك وحيداً عاجزاً عن معالجة نفسك من كل تلك السموم العالقة بها، قسوتك تلك ستؤذيك أنت أولاً وسترهق كثيراً روحَك المتعطشة للحب. فالحب قوة عظيمة جداً، وحدها قادرة على أن تشفي تلك النفوس العليلة والمصابة بـ"داء القسوة".

أشعر بالشفقة كثيراً حيال أصحاب النفوس المتعبة من القسوة، أولئك الذين لا يعطون حباً إلا إذا تيقنوا من حصولهم على المقابل، أولئك الذين يعجزون عن العطاء دون السؤال عن المقابل، أو بالأحرى دون تيقنهم من حصولهم على مقابل، أولئك العاجزون أمام الحياة، يعتبرون الدمعة ضعفاً وكل شعور جميل تجاه الآخر هو فقط فخ وُجد للإيقاع بهم ويجب تجنُّبه.

يستحيل أن ترى بسمة تزيِّن ملامحهم حتى وإن صادفوا طفلاً صغيراً! لا يعرفون للّطافة سبيلاً، وإن حدث وأخطأوا في حقك فلا تنتظر منهم اعتذاراً أو تنازلاً؛ فهم يرون في ذلك عيباً مخزياً.

إنهم مصابون بإعاقة في المشاعر، فلا تتوقع منهم أبداً مبادرة بالثناء أو تعبيراً عن شعور جميل؛ لأن كل هذه الأشياء مقرونة في مخيلتهم بالضعف، يعتقدون أنهم يملكون من القوة ما يدمر الأرض، في حين يُخفون خلف قسوتهم تلك قلوباً هشة بجدران متصدعة آيلةٍ للسقوط، لا بد أن تنهار ولو بعد حين لتكشف عن الضعف الحقيقي الذي طالما لاذ بالفرار في دواخل نفوسهم، تاركاً قناع القسوة يتولى القيادة في شوارع حياة بئيسة.

الحياة أبسط من أن تخضع لقوانين قاسية كتلك التي يفرضها البعض على أنفسهم ويدفع ثمنَها أولئك الطيبون الذين يحيطون بهم، إنهم يبالغون في حماية أنفسهم من كل سوء، وينسون أن النية الصادقة تكفي في بعض الأحيان للنجاة.

ليس المطلوب أن يكون الشخص مغفلاً وغافلاً عن نفسه وقلبه، لا إطلاقاً؛ بل المطلوب هو أن نمنح أنفسنا فرصة للحياة بطريقة أبسط وأسهل، بِحُرية أكثر وعفوية أوفر…حياة تنبني على الحب والعطاء، قليل من الحذر يكفي ولكن من دون قسوة رجاءً.

فمن يقسُ ويبالغ في قسوته وغروره يكن أول من يخسر، فالحياة ليست كلها معارك ولم توجَد لنحارب كل يوم أو نكون مجنَّدين على استعداد للقتال في كل لحظة، ليس الأمر كذلك بتاتاً.

نعم، هنالك لحظات وجب فيها القتال، من أجل تحقيق الأحلام وتخطي كل الصعاب، ولكن هناك لحظات أخرى كثيرة تستحق أن نعيشها بمنتهى السلمية، فقط بالابتسامة وكثير من الحب لكل من حولنا مع جرعة من الجنون حتى نستسيغ طعم الحياة.

فطوبى لكل أولئك الطيبين البسطاء الذين ننعتهم بالحمقى والمجانين؛ فقط لأنهم يعيشون الحياة، لحظة لحظة، بكل شغف وعفوية..

وبئس كل الجبناء والقاسية قلوبهم الذين يقتلون الحب، كلما أزهر في نفوسهم، باسم الكبرياء والأنا الأعظم الذي لا ينحني ولا ينهزم! مشقةً كبَّدوا أنفسهم، وتعاسة أثمرت أوهامهم.. رجاءً، رفقاً بأنفسكم؛ فالحياة لن تتوقف برهة لانتظار صحوتكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد