نعيش في مجتمع نستيقظ فيه وننام فيه على أخبار أكثر ما يشدنا فيها هي العنصرية الممَارسة ضدنا نحن العرب، وبالأخص المسلمين منا، سواء كنا صغاراً أم كباراً، ذكوراً أم إناثاً، أطفالاً أم شباناً أم كهولاً.
أول ما يخطر في بالنا هو أننا ضحية هذا المجتمع، وضحية هذا العصر، وضحية الأفكار والمعتقدات التي عبّأها الإعلام وبخاصة الغربي في عقول أولئك الذين هم ضدنا وضد عِرقنا وضد ديننا وضد عاداتنا وتقاليدنا، وكل ما يمت بالصلة لنا.
منذ أيام وقعت مشكلة بيني وبين شخص في محطة (البنزين)، كنت أنا من بدأها، كان يصرخ في وجه العامل الذي كان يكتب له بدوره فاتورة غسيل سيارته في مغسلة المحطة، والذي جعل الدماء تغلي في عروقي، هو نعته له بالنهاية بكلام قبيح يعكس قبحاً داخله وخارجه والنفَس الذي يخرج منه، والعامل المسكين مطأطئ الرأس لم يفهم شيئاً سوى أنه قد أُهين و.. أمامي!.. لم أتذكر عندها ولم يخطر في بالي حينها سوى ما قاله نيلسون مانديلا: (ليس حرّاً مَن يهان أمامه إنسان ولا يشعر بالإهانة)، وطبعاً ديننا يأمرنا بالإيجابية دوماً والفاعلية والمبادرة لتغيير الموقف نحو الأفضل، فجعلنا نمسك زمام التغيير إن استطعنا عبر أفعال أو أقوال أو نوايا قلبية، المهم أن نخطو خطوة ولا نكون متفرجين لا أكثر، ويتجلى ذلك فيما قاله حبيبنا رسول الله: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
لن أطيل عليكم فأنا لم أقصّر فيه لا من قريب ولا من بعيد، وحاولت أن أغير هذا المنكر بلساني قدر الإمكان، وإن كنت أعلم أنني لست مسؤولة عن تربية البشر، لكن على الأقل كي أُرضي ضميري وكي يشعر العامل أنني لا أوافق هذا الإنسان على تصرفه وأن أُنعش كرامته التي أهينت، وهذا ما قد حدث بالفعل، مع العلم أنني لم أتحدث سوى بالاحترام والمنطق وحقوق الإنسان!
ثم ما إن ركبت السيارة حتى جاءتني ضحكة ما لبثت أن ارتفعت، وأن أشغل سيارتي كي أنطلق وأخذت أضحك كأني خرجت للتو من مستشفى الأمراض العقلية!
شعرت بتمثيلنا نحن العرب الذين لا نبرع بشيء كبراعتنا به، نطالب بحفظ كرامتنا وحقوقنا ونحن الذين لا نراعي حق البشر الأقل منا في أي شيء، فلو كان هذا العامل ثرياً أو ذا منصب أو ابن عائلة معروفة في المكان الذي يعيش فيه هل كان سيستطيع أمثال هذا الذي صرخ فيه أن يفعل ما فعل؟!
بالطبع وبلا تردد لا، فلغة المال تحكم ولغة القوة تحكم، ولغة المنصب تحكم، تحكم ضمائرنا الهشة التي تفشل مع أول اختبار حقيقي لها.
إذا تعرض أميركي عنصري لفتاة مسلمة ونعتها بأبشع الصفات بدأنا بتغيير صور "بروفايلنا" في مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت نشرات الأخبار بتداول الخبر على مدار الساعة، ونحن في مجتمعاتنا تتعرض المرأة لأبشع من ذلك بكثير بدافع من العنصرية والاستضعاف والثقافة السائدة والعادات والتقاليد ولا أحد يتكلم.
لو أن شخصاً عنصرياً غربياً أبيض أساء لشخص أسود نبدأ بشعارات العدل والمساواة وحقوق الإنسان، ثم نجد ممن يعيش بيننا لا يسمح لابنته أن تصادق فتاة للونها أو أصلها أو جنسيتها، معتبراً نفسه وابنته أرفع مقاماً منها، ونعامل الخدم بيضاً وسوداً باستخفاف واستعباد وذُل.
ونحن الذين خرج من بيننا بلال بن رباح رضي الله عنه، الذي عيّره ذات مرة أبو ذر بقوله: يا ابن السوداء، فلما بلغ الرسول ما حدث قال له: (يا أبا ذر أعيّرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم).
ولو خرج ورأى ما يحدث في أيامنا هذه لرأى الجاهلية التي تدمي القلب على جميع الأصعدة.
يتقدم لخطبتها شاب فتقول أمه: أريد البيضاء وليست السمراء، والأم نفسها تكون سمراء! فتنظر ماذا تعلّق على هذه الظواهر المرضية المتفشية في مجتمعاتنا.
يشتكون في الدول الأوروربية من تعامل الشعب والحكومات مع بعض اللاجئين بسوء وأنا سمعت قصصاً وشهدتها بأم عيني لتعامل لاجئين مع بعضهم البعض.
روى لي أحد اللاجئين كيف أن جاراً له يذهب إلى أكثر من جمعية خيرية كي يحصل على مساعدات بطرق عدة، فهو يكدسّ الفرشات التي جمعها من هذه الجمعيات في غرفته وإن أتى لاجئ جديد لا يشفق عليه ولا يساعده ولو بواحدة، هذا عداك عن المدافئ الصغيرة والملابس وغيرها.. ثم بعد ذلك نشعر بالظلم لأن بعض الدول لا تستقبلنا كلاجئين ولا يتعاطفون معنا ونحن بيننا وبين بعضنا آثرنا الأنا عن النحن، وكأننا ملائكة بين بعضنا ثم نشكو من قسوة الغريب.
ثم نأتي لعائلاتنا وأسمائها التي نحملها جيلاً بعد جيل، كل جيل يفخر بها وكأنه هو من اختارها، خاصة لو كان ابن عائلة معروفة أو قبيلة كبيرة تجده لا يستطيع إلا أن يشعر بالتعالي وإن كان داخلياً على من هو دونه (إلا من رحم ربي طبعاً) و إن حدث موقف قال لك من هو كي يحدّثني هكذا ابن الفلاني! نسي مَن أنا!
و نسي قول الشاعر:
ليس الفتى من قال كان أبي ** إن الفتى من قال ها أنا ذا
ونسينا ما جاء في الحديث الصحيح: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة).
ديننا العظيم إنما جاء لإنهاء العنصرية وإرساء مبادئ العدل والإخاء والتآلف بين الشعوب منذ ما يزيد عن ألف سنة، ألم يقل جل في علاه: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) لم يقُل إن أكرمكم عند الله هي العائلة الفلانية ولا القبيلة الفلانية ولا الجنسية الفلانية ولا لون الجلد الفلاني ولا العرق الفلاني، التقوى هي أساس المفاضلة وليست مقاييس أيامنا هذه، أيام الجاهلية الحديثة التي أصبح فيها أساس المفاضلة المال والجاه والمنصب والعائلة.
أصبح التافه يتكلم؛ لأنه صاحب مال، وأصبح الظالم يعطي مواعظ عن العدل؛ لأنه صاحب منصب وخُلط الصالح بالطالح والحابل بالنابل، ثم نحزن إن عاملونا في المطارات بعنصرية أو في بعض الدول الأجنبية، ونحن الذين نعامل بعضنا بما هو أسوأ بكثير لمعاملتهم معنا.
بيننا كدول عربية يوجد من العنصرية ما يكفي لأن توزع على جميع مَن في الأرض وما تعامُلنا مع العمالة والخدم والفقراء والمساكين والمحتاجين من جميع الجنسيات وفي كل بقاع الأرض سوى صور بسيطة للعنصرية وما خفي أكبر وأعظم.
نحن لم نحكم العالم حين كنا نفخر بعروبتنا وأجناسنا وأصولنا، نحن سُدنا العالم حين جاء الإسلام فوحّد صفوفنا وساوى بيننا وألّف بين قلوبنا فرُفعت القيود الدنيوية وحلّت محلها مشاعر الإنسانية والفطرة السليمة.
عندما قال سيدنا عمر بن الخطاب: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله) كان مدركاً تمام الإدراك ما يقول وهو الذي عاش الحياة بالإسلام وبغير الإسلام، وعلِم أشد العلم قيمة هذا الدين العظيم وأثره في تغيير الإنسان نحو الأفضل والأرقى والأجمل، وهذا ما نحتاجه في هذه الأيام المعاصرة المجنونة الماجنة، نحتاج الدين الحقيقي وليس فقط شعارات رنانة وديانة متوارثة دون فهم واستيعاب وإدراك لكل ما فيها.
التكنولوجيا أذهبت عقولنا والتطور الصناعي وظفناه لما فيه السوء والضرر.. تخلّفنا عن العلم الحقيقي والقراءة والاكتشافات والاختراعات والناس أمامنا وصلت القمر وما أبعد منه ونحن نشاهد نتائج أبحاثهم وتطوراتهم ونتابعها باهتمام دون أدنى شعور بالغيرة الشريفة؛ لأن نكون نحن من قمنا بمثل هذه الاكتشافات العظيمة كما فعل أسلافنا من العلماء والمفكرين المسلمين!
والمبدعون بيننا لا مكان حقيقي لهم إلا ما ندر، ولا بد أن يبتعدوا عن بلادهم ليبدعوا ويُطلق العنان لإبداعهم دون قيود، وإن قاموا باكتشاف أو اختراع جديد يتنازلون عن جنسيتهم العربية ويُمنحون جنسية البلد الذي اكتشف مواهبهم، وقد يُطلب منهم أن يغيروا أسماءهم العربية أيضاً! وهكذا تُنسب لهم الاختراعات وتوثقّ عبر التاريخ على أنهم هم من أوجدوها واكتشفوها، وما هذا إلا لأننا ضعاف عنصريون أسياد على بعضنا البعض يدوس بعضنا بعضاً ثم نخرج للعالم نشتكي ونبكي ونندّد إن أحدهم تصرف معنا بصورة غير إنسانية أو غير أخلاقية، والبلاء منا وفينا، هانت علينا أنفسنا فهنّا على غيرنا.
وصدق الشاعر حين قال:
نعيب زماننا والعيب فينا ** وما لزماننا عيب سوانا
ولم ولن يتغير الحال إلا عندما يتغير أصحاب هذه الحال وهذه سنّة الله في الكون: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فنحن الداء وبإرادتنا استغنينا عن الدواء وفضلنا الشكوى والبكاء، فلنعِش بهذا الدين ليس فقط في عباداتنا بل في معاملاتنا وحياتنا اليومية، فالكلمة الحسنة صدقة، والإيثار والكرم والإخلاص والصدق والعطف والرحمة وحسن الظن كلها قيم لا بد أن نطبّقها بيننا قبل أن نطالب بها غيرنا من الغرباء.
ابدأ بنفسك فالمفتاح الأول بيدك، ولا تسترسل معهم ومع أقاويلهم وإشاعاتهم بأننا ضحية، فنحن يا عزيزي صدّقني لدينا فيما بيننا ما يكفي من العنصرية!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.