فليس عجيباً أن ترى أحد مشايخهم وهو يلوك في فمه كلاماً فخيماً عن تكريم الإسلام للمرأة، ثم تراه يتحدث عن نساء الدنيا الفالصو!
وليس مدهشاً أن تسمع أحد مشاهير الخطباء وهو يترحَّمُ على زمنٍ كانت المرأةُ لا تخرجُ من بيتها إلا ثلاث مرات: الأولى وهي مولودة من رحم أمها، والثانية وهي عروس إلى بيت زوجها، والثالثة وهي ميتةٌ محمولة إلى قبرها (فترتفع الأصوات مجلجلة: الله.. الله.. الله يا مولانا).
لأنه يجهل أن المرأة تعيل منفردةً ملايين الأسر في مصر، وتمثل 30% من سوق العمل في العالم العربي، و65% في آسيا، و59% في أوروبا، ولو منعناها من الخروج من بيتها كما كان يروم الشيخ لانهارت ملايين البيوت، وتمزَّقت ملايين الأسر!
كما ليس مزعجاً أن تسمع ذلك الذي يصفهُ أتباعه بأنه محدث العصر، ثم هو يقول في تبجُّحٍ وتجاسرٍ ليس له مثيل: أيوة أنا قلت وبقول وسأقول.. كل البنات اللي في الكليات المختلطة آثمات!
فإن شهرة أمثال هؤلاء ورضوخ الأتباع لهم تقليداً لا تحقيقاً، هو أحد مظاهر تخلف أمتنا وتأخرها عن ركب الحضارة حتى صرنا نأكل ما يزرع غيرنا، ونركب ونلبس ما يصنعونه، ونتداوى بما يخترعونه، ثم لا نلبث إلا أن نسُبَّهم ونطالب بعداوتهم وبغضائهم!
وكم حدّثنا أمثالُ هؤلاء عن الزهد، ثم رأيناهم يراكمون الحسابات البنكية المتخمة بالأموال الطائلة، ويمتطون صهوة السيارات الفاخرة، ويسكنون البيوت المترفة الفارهة!
وقد ذمَّ الله -تعالى- سلفهم من الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله (بما يفتنون به الناس في دينهم من مثل تلك الأقاويل والأفاعيل التي تفقدُ العوام الثقة في كل من يعظ باسم الدين).
لكنّ ما لا ينقضي منه عجبي حقاً، أن تجد من هؤلاء من يصف سبي النساء بالفريضة الشرعية، وختانَ الإناث بالمكرمة الدينية، وتحقير المرأة بالمعجزة الكونية الإلهية!
كانت المرأة في الجاهلية كلأً مباحاً، فمنذ لحظة ميلادها هي كائنٌ غير مرغوب فيه (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَداً وَهُوَ كَظِيمٌ).
وبعدها فإما أن يدسها أبوها في التراب -والعياذ بالله- وإما أن يمسكها على هون كما وصفه بذلك القرآن العظيم، ثم حين تصبح فتاة، فإنها لا تملك قرار زواجها، وإذا تزوجت فلا تملك التصرف في مالٍ أو أملاك، ولا ترث ولا تورث، ولا تملك حق التعليم أو العمل أو إدارة شؤون القبيلة بل ولا حتى الأسرة!
وقد عمل النبي -صلى الله عليه وسلم- على تحطيم هذا الموروث الجاهلي القحّ القبيح وإنهاء وجوده لولا المقاومة التي كان يلقاها حتى من كبار الصحابة أنفسهم!
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا معشر قريش نغلب نساءنا، فلما هاجرنا إلى المدينة إذا هم قومٌ تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من أدب نساء الأنصار، ثم يقول: فتغضَّبَتْ علىَّ امرأتي يوماً فإذا هي تراجعُني فقالت: ما تنكرُ من ذلك؟ فوالله إن أزواج النبي ليراجعنه وتهجرُه إحداهُنَّ اليوم إلى الليل!
قال: فقلت لحفصة (ابنته) أتراجعين رسول الله؟ قالت: نعم وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل، فقلت: قد خابت من فعلت ذلك منكن وخسرت! أتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله، فإذا هي قد هلكت، فتبسم النبي (وكأنه يقول لعمر: هوِّن عليك يا عمر، فالأمر يسير)، (صحيح البخاري).
وقد أُثر عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "إني لأعلمُ إذا كنتِ عنِّي راضيةً وإذا كنتِ عليَّ غَضْبَى"، قالت: فقلتُ من أينَ تعرفُ ذلك؟ فقال: أمَّا إذا كنتِ عنِّي راضيةً فإنك تقولين لا وربِّ محمد، وإذا كنتِ عليَّ غَضْبَى قلتِ لا وربِّ إبراهيم، قالت: قلتُ: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك (صحيح البخاري).
كما أُثر عنه -صلى الله عليه وسلم- أن أم المؤمنين صفية -رضي الله عنها- كانت قد أرسلت له قصعة طعام وهو في بيت عائشة التي أخذتها الغيرة فضربت القصعة بيدها حتى انكسرت، فما كان من الرسول إلا أن جمع الطعام من الأرض، ثم قال لأصحابه: كلوا.. غارت أمُّكُم! (صحيح البخاري).
وتروي عنه أم المؤمنين عائشة قائلةً: كنتُ أشربُ وأنا حائض، فأناول الإناء للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيضعُ فمه على موضع فمي! (متفقٌ عليه).
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: "خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّ قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ، لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا" (صحيح البخاري).
عن أم المؤمنين عائشة قالت: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله" (صحيح مسلم).
فهكذا كانت حياته -صلى الله عليه وسلم- والتي ختمها بكلماته الجامعة الماتعة في خطبة حجة الوداع وهو يقول للرجال: استوصوا بالنساء خيراً (جميع كتب السنة).
ثم يُرَادُ لنا أن نُصَدِّقَ أنَّ رجلاً بهذا السمو الأخلاقي الرفيع، والتسامح النادر، ثم هو يأمرُ بتعليق السوط في مكانٍ يراهُ فيه أهل البيت ليكون ذلك تأديباً وزجراً لهم!
وأنه يصف المرأة بـ"حبائل الشيطان"، وبأنها "عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان"، وبأنها "تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان"، وبأنها سوف تعلّقُ في النيران من ثدييها إذا لم تطع زوجها، ونحوه من صور التعذيب الرهيبة التي تلتاع من فظاعتها القلوب.
قد يقول قائل: ولكنَّ بعض هذه الروايات قد جاءت في كتب السنة.. فهل تنكر السنة؟!
وما لا يعرفه هؤلاء أن السنة القولية قد تسربت إليها الإسرائيليات والروايات المدسوسة المنسوبة لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وحتى يصبح الإسلام على قدمٍ وساقٍ من الكتب السابقة التي تظهرُ فيها محاباةُ الذكر جليةً واضحةً على حساب الأنثى! وليكون متهماً مثلهم بتهمة "تحقير المرأة" سواءً بسواء!
كما اختلطت بعضُ مروياتها بالإرث الثقافي والمجتمعي الجاهلي، فضلاً عن النوازع الذكورية التي لم يتخلَّ عنها بعضُ المسلمين رغم وضوح القرآن الكريم في عدم التفريق بين الرجل والمرأة، ورغم جلاء سيرة النبي العطرة في عدم تمييز الناس على أساس الجنس أو اللون أو النوع.
(أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت! اللهم فاشهد)، من خطبة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في حجة الوداع.
وكيف يستقيم اتهامُ من يستدلُّ بسبعةٍ أخبارٍ من كتب السنة في مقالٍ واحد بأنه ينكرها؟ أم هو السلوك الفاشي الانتقائي الإقصائي المكرور المعهود من القوم، والقائم على محاولات فرض مدرسة الرأي الواحد المهيمن على عموم المسلمين لأهدافٍ سياسية لا تخفى على ذي عينين؟
يقول الشاعر:
وليس يصِحُّ في الأذهانِ شئٌ ***** إذا احتاجَ النهارُ إلى دليل!
هذا وقد سبق أن أنكرتْ أمُّ المؤمنين عائشة حديثاً منسوباً للرسول صلى الله عليه وسلم (جاء في صحيح مسلم وغيره ثم صححه الألباني)، وذلك من روايةِ أبي ذر قال: (تعادُ الصلاة من ممرّ الحمار والمرأة والكلب الأسود)!
فعندما تناهى هذا الخبر إلى سمعِ أم المؤمنين عائشة قالت: شبهتمونا (تخاطبُ جيلها) بالحُمُر والكلاب، والله لقد رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة" (صحيح البخاري).
والحمد لله أنهم لم يتهموها هي الأخرى بإنكار السّنّة!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.