"كأس العالم في الفيزياء" مسابقة دولية للشباب يتنافس المشاركون فيها على دراسة الظواهر الفيزيائية وتقديم الابتكارات في هذا المجال.
في يوليو/تموز الماضي شاركت باكستان لأول مرة بفريق من خمسة أشخاص، تم تدريبهم في جامعة "سيد بابار" التي وفرت لهم المعامل والأدوات اللازمة، وقام بالإشراف العلمي عدد من أساتذة الجامعة.
فاز بالجائزة "محمد شاهير نيازي"، والبالغ من العمر سبعة عشر عاماً، عن قيامه بمحاكاة ظاهرة "The electric honeycomb" وهي ظاهرة فيزيائية معروفة، وإن لم يوجد تفسير علمي لها، ونجاح محمد نيازي في محاكاتها قد فتح الباب على فهم أسبابها، وقد قام محمد بالفعل باستكمال أبحاثه وكتابة ورقة علمية وثق فيها استنتاجاته من التجربة، ونشرت الشهر الماضي في دورية "Royal Society Open Science" وهي من أعرق وأشهر الدوريات العلمية في العالم.
محمد نيازي، شاب متميز، ونجاحه ليس صدفة، فهو نبتة صالحة وجدت الرعاية الكافية فأزهرت، وبإذن الله تثمر خيراً كثيراً في المستقبل.
يطرح فوزه بالجائزة أكثر من سؤال: أولها لماذا لا "نسمع" عن تلك المسابقات فتكون ملء السمع والبصر في إعلامنا ومحطاتنا العربية؟ لماذا لا يُهتم بالمسابقات العلمية كما يهتم بمسابقات كرة القدم، والأغاني واكتشاف المواهب الفنية؟ صحيح أن الفن "الراقي" يرتقي بالإنسان ويعلمه، وأن الرياضة صحة للجسد وتهذيب للخلق، لكن العلوم هي عماد التقدم، فلماذا نصيبها من اهتمامنا صفر؟!
لا ينقص أولادنا ذكاء ولا إمكانيات شخصية، حتى الإمكانيات المادية ليست هي المشكلة، فهي متوفرة للكثيرين لكنها مهدرة. ما ينقصهم هو وعي "الكبار" -مسؤولين وآباء- و"الرؤية" التي توجه طاقتهم إلى حيث يجب توجيهها.
ينقصهم أن يروا "قدوة عامة" في مجالات العلم والصناعة، وأن يروا "قدوة أسرية" تحسن استغلال الوقت وتحترمه.
ينقصنا أن يتطور دور "الجامعة" فتكون فاعلاً مشاركاً في حل مشاكل المجتمع، كما فعلت جامعة "سيد بابار" في باكستان ببرامج متابعة وتوجيه الشباب، والإشراف على مشاريع "عملية" تخدم المجتمع.
الجامعات العامة والخاصة منتشرة بطول البلاد وعرضها، وعندنا أساتذة لا ينقصهم علم ولا خبرة، والإمكانيات المادية يمكن تدبيرها، بأن تغطيها شركات الأعمال على سبيل المثال، إما للاستفادة المباشرة برعاية دراسات تمس مجال عملها، أو حتى كمجرد جزء من برامج الدعاية للشركة.
هل نتصور العائد من تبني شركة لطالب كمحمد نيازي وهو "مشروع عالم"؟ وما التكلفة؟ أزعم أنها ليست "مُضلعة"، ولن تكون إلا جزءاً بسيطاً مما تنفقه الشركات في إعلانات الاستظراف وجذب الانتباه!
الأمر ليس مقصوراً على الرعاية العامة لشباب العلماء الواعدين، فقبل كل ذلك هناك مسؤولية كل أب وأم ومربّ في توجيه ابنه/ابنته/تلاميذه لاستغلال الوقت والطاقة فيما يفيد، وفتح الأبواب أمامه بالتوجيه.
لا عذر لأحد.. فهناك عدد لا حصر له من الفرص التعليمية والبحثية متاحة على الإنترنت، الذي يستخدمه أغلبنا في "قتل" الوقت أو التنفيس أو التسالي!
الأمر لا يحتاج إلا أن "نفكر" أبعد قليلاً مما تعودنا عليه، وأن نحسن إدارة "أنفسنا" وأوقاتنا، ونحسن استغلال "التكنولوجيا" بين أيدينا فنستفيد من "فرصها"، ونحسن حمل الأمانة نحو أنفسنا وأبنائنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.