حينما تعاقب الحكومة الناطقين بالحسانية

يتم إقصاء الحسانية من طرف جهة حكومية يفترض أنها تابعة للدولة، كما يفترض أن المواطنين وثقافاتهم ولهجاتهم سواسية أمامها.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/10 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/10 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

بالرغم من دسترتها ومحاولة المتاجرة بها من طرف الأحزاب والنشطاء والهيئات الرسمية وغير الرسمية إلى درجة تمييع موضوعها، يتم إقصاء الحسانية من طرف جهة حكومية يفترض أنها تابعة للدولة، كما يفترض أن المواطنين وثقافاتهم ولهجاتهم سواسية أمامها.

فما يشغل بال الصحراويين المقبلين على نيل امتحانات نيل رخص السياقة ليست هي الزيادات المتوالية التي تقدم عليها الحكومة في تكاليف كافة الوثائق والرخص الإدارية، ولا حتى النقاش الدائر حول القانون الجديد المنظم للقطاع، فما يشغل بالهم بالأساس ويثقل كاهلهم هو العنصرية والإقصاء الممارَسان عليهم وعلى ثقافتهم من طرف جهة رسمية، يفترض أن تكون حريصة على إنصافهم، بدل أن تقوم بممارسة الظلم والحيف الصارخين في حقهم.

فبالرغم من العديد من المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب، والتي تنص صراحة على حق الساكنة المحلية في استعمال لغاتها ولهجاتها المحلية في كافة المعاملات المتعلقة بالإدارة والخدمات العمومية، خاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإعلان اليونيسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي، ورغم التنصيص الواضح في دستور 2011 على صيانة الحسانية وحفظها، فإن وزارة النقل لها رأي آخر في الموضوع؛ حيث تصر على إقصاء الصحراويين وحرمانهم من أبسط حقوقهم الخدمية والإدارية والمتمثلة في الحق في نيل رخصة السياقة والحق في اجتياز امتحانها بلغتهم الفصحى أو بلهجتهم الحسانية، بل يمس حتى حقهم في التنقل في حال تسبب تلك الممارسات في عدم استطاعتهم اجتياز الامتحان، ولا أقول فشلهم؛ حيث يفرض عليهم اجتياز امتحان مكتوب بلهجة الدارجة بدل لهجتهم الحسانية أو حتى الفصحى، الأمر الذي يترتب عليه عدم استطاعة الكثير منهم فَهْم معظم الأسئلة المطروحة، وبالتالي تعذر التوصل إلى إجابات صحيحة رغم التدريب والتحضير الجيد للامتحانات، الذي يكلفهم الكثير من الوقت ومن الإمكانات المادية، خاصة في ظل التشدد الذي بدأت تفرضه الوزارة في ظل الإعلان عن القانون الجديد المنظم للقطاع والنقاش الجاري حوله.

حرمان وإقصاء ينضافان إلى المعاناة الكبيرة التي يواجهها أبناء الإقليم الراغبون في اجتياز امتحانات نيل رخص السياقة، بدءاً بالفوضى التي يشهدها القطاع، ومروراً بالمحسوبية والزبونية المنتشرين في كافة الجهات والهيئات المتدخلة في تحضير وتنظيم تلك الامتحانات، وليس انتهاء بالاكتظاظ في مدارس التعليم وفي قاعات وساحات إجراء الامتحانات، بالإضافة إلى اهتراء وتقادم المعدات المخصصة لها، فضلاً عن الجو المشحون الذي يعرفه المجال بسبب اعتراض أرباب مدارس تعليم السياقة على مقتضيات القانون الجديد الخاص بتنظيم القطاع.

فشخصياً قابلت في الأشهر القليلة الماضية العديد من شاهدي العيان من شباب المنطقة المقبلين على تلك الامتحانات، والذين حكوا لي كيف وجدوا أنفسهم عاجزين أمام أسئلة يفترض أن تكون بسيطة بالنسبة لهم بسبب اعتماد اللهجة الدارجة بدل الفصحى أو الحسانية، وفي الغالب دارجة ركيكة يزيد من تعقيدها تعمّد مُعدّي الامتحانات طرحها بشكل ملتبس، الأمر الذي يجعل معظم الممتحنين من الصحراويين لقمة سائغة في أفواه المتاجرين بتلك الامتحانات ويكرس الممارسات اللاقانونية التي يعيشها القطاع، ما يقوض الجهود التي تدعي الوزارة بذلها لإصلاحه.

ظروف مأساوية تنضاف إلى الحالة المهترئة للشبكة الطرقية في الإقليم والتي تدحض هي الأخرى كل الدعايات الرسمية حول تنميته، وتترجمها حرب الطرق التي تخلف الكثير من الضحايا ما بين قتيل وجريح قضلاً عن الأضرار والتكاليف المادية والمعنوية المترتبة عنها.

وضع غير سويّ يُساءل عنه كافة المتاجرين في قضايا وحقوق الساكنة من سياسيين، ومثقفين، ومسؤولين وحتى حقوقيين ونقابيين، فالمنتخبون الذين لطالما صدّعوا رؤوسنا بادعاء الدفاع عن حقوق الساكنة يفترض أن يعملوا على إثارة مثل هذه المواضيع التي تمس الساكنة بشكل مباشر مع الهيئات المعنية التي تشرف على تنظيم وتأطير تلك الامتحانات، وطبعاً الأمر نفسه ينطبق على النشطاء الجمعويين، والإعلاميين، والنقابيين وبالأخص الحقوقيين.

يبقى أن نشير إلى أن الدفاع عن حقوق الساكنة الصحراوية في استعمال لهجتها لا يعني الانتقاص من اللهجة الدارجة أو من غيرها من اللهجات، فما ينطبق على الحسانية قد ينطبق على لهجات ولغات أخرى في الأقاليم المستعملة فيها.

لكن الأمر يتجاوز مسألة مجرد الحصول على رخصة سياقة، فالأمر يتعلق بحق أساسي من حقوق الساكنة الثقافية والاجتماعية والسياسية المتعارف عليها دولياً، ويمس كرامة الساكنة وهويتها في الصميم، كما يدق ناقوس الخطر في ظل الوضعية السياسية الخاصة للإقليم، التي قد لا تحتمل تجاوزات من هذا القبيل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد