ابني الحبيب.. أنت الآن على أبواب مرحلة جديدة من عمرك، تبدأ فيها في تحمل المسؤولية كاملة.
قبل ذلك خلال ما مضى من عمرك لم تكن الملائكة الكَتَبَة يكتبون عليك سيئاتك، كانوا فقط يكتبون لك الحسنات؛ لأن الله لا يحاسب العبد إلا بعد بلوغه الحُلُم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل"، ومعنى رفع القلم عن هؤلاء الثلاثة، أي أنهم غير مكلفين.
وأظن أنك حتى الآن لم يكتب الْمَلَك (عتيد) في كتاب سيئاتك شيئا، فما زالت صفحتك بيضاء نظيفة من السيئات، قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، رقيب مَلَك عن يمينك يكتب حسانتك، وعتيد مَلَك عن شِمَالك يكتب سيئاتك.
وتأمل الآية يا بني: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، إن رقيب وعتيد لا يتركان شيئاً، كل صغيرة وكبيرة تُسَجَّل في كتابك حتى اللفظة، فإن كانت خيراً كتبها رقيب في حسناتك، وإن كانت سوءاً كتبها عتيد في سيئاتك.
أنت الآن مسؤول محاسَب على كل ما تفعل، وعلى كل ما تقول فاحذر وانتبه.
إن كتابك اليوم أبيض ناصع خالٍ من كل سوء، فاحرص على ألا تسوده.
واحرص دائماً كلما هَمَمْتَ بعمل ما تَأَمَّلَه وفَكِّرْ أين سيقع في كتابك في قسم الحسنات أم في قسم السيئات.
تذكر دائماً الْمَلَكَيْنِ عن يمينك وعن شمالك، واعلم أنهما يراقبانك؛ فقد كلفهما الله بذلك فاستحِ من الله واستحِ منهما.
واشغل رقيب، وأقعد عتيد، احرص دائماً على ألا تعطي الفرصة لعتيد أن يكتب ويسوّد صفحات كتابك.
فإن زللتَ وأخطاتَ بقول أو فعل فأَسْرِعْ واستغفر وتُبْ؛ فإن استغفارك وتوبتك سوف تمحوها، وتُبَيِّضُ الصفحة مرة أخرى.
يا بُني: إن ما مضى من حياتك كان لَعِباً ولهواً وعبثاً، لم يكن أحد يحاسبك عليه.
الآن ومع دخولك في مرحلة البلوغ فأنت مسؤول أمام الناس في الدنيا، ومسؤول مسؤولية أكبر وأعظم بين يدَي الله في الآخرة.
فهناك أفعال وأعمال كثيرة كان يقبلها منك الناس؛ لأنهم يرونك ما زلت صغيراً، الآن لن يقبلوها.
وهناك أقوال سيئة وأعمال سيئة فعلتها قبل ذلك، ولم تكتب عليك، ولم تدخل كتاب سيئاتك، الآن ستكتب عليك إن فعلتها، وستدخل كتاب سيئاتك.
فاحذر وانتبه واحرص على ألا تفعل إلا ما هو صحيح نافع لنفسك ولغيرك.
وانتبه واحذر من لسانك، فإن اللسان يُورِدُ الْمَرْءَ الْمَهَالِك، فكم مِنْ كلمة قتلت صاحبها، وكم من كلمة أصلحت بين أمم متقاتلة.
قَالَ النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل: (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ).
فإياك ولسانك يا بُني، وصدق الشاعر:
واحفظ لسانك واحترز من لفظه ** فالمرء يسلم باللسان ويعطب.
وأخيراً ابني الحبيب:
إن حسن الخلق هو مِلاك دينك، وهو استقامة دنياك، فما زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين، وما نقص منه نقص من دينك.
وبحسن الخلق تحوز محبة الناس، وتنال تقدير واحترام الآخرين، وتعز في أهلك وبين أقرانك وفي المجتمع كله.
وفي الحديث الصحيح: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقربكم منّي منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)، و(ما مِنْ شيء أثقل في ميزانك مِن حُسْنِ الخلق)، هذا ما قاله نبيّك صلى الله عليه وسلم.
وأخيراً لا تنسَ الْمَلَكَين عن يمنيك وعن شمالك، واستحِ منهما، واحرص على ألا تُسَوِّد صفحات كتابك بالسيئات، فإن زللت فأسرِع بالاستغفار والتوبة.
بارك الله فيك يا بني، وهداك وأصلحك، ورزقك الهدى والتقى والعفاف والغنى، ووقاك صحبة السوء، وعَمَل السوء، وقول السوء، وأبعد عنك كل سوء.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بابا الذي يحبك أكثر من نفسه
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.