في كل جمعة أو عطلة رسمية يترك العراقيون جميع خلافاتهم الطائفية والسياسية؛ ليجتمعوا من كل أطيافهم متوحدين من كلا الجنسين في شارع المتنبي وكلهم شغف للتطلع لما هو جديد، فهم يعتبرونه جزيرة ثقافية معزولة عن الصراعات الدائرة في العراق.
شارع المتنبي الذي يقع في قلب بغداد يعود إلى أواخر العهد العباسي، واشتهر منذ ذلك الحين بمكتباته ومؤسساته الثقافية، أُطلق عليه اسم المتنبي في 1932 في عهد الملك فيصل الأول تيمناً بالشاعر أبي الطيب المتنبي.
ويضم هذا الشارع العديد من المكتبات والمطابع العريقة، إضافة إلى الباعة الذين يفترشون الرصيف (البسطيات)، ولا يقتصر المتنبي على بيع الكتب فقط، بل يتم بيع القرطاسية والأقراص المدمجة والنظارات الطبية، وأيضاً بعض الألعاب الصغيرة، ويتم تنظيم فعاليات للشعر والرسم ومعارض للكتب كل نهاية أسبوع.
ويتميز المتنبي بموقعه الذي يطل على نهر دجلة من جهة، ومن جهة أخرى على سوق السراي، ويشتهر أيضاً بوجود مقهى الشابندر، ذلك المَعْلَم التراثي الذي يشهد على 100 عام من عمر العاصمة بغداد.
مؤخراً افتتحت "براء البياتي"، أول شابة عراقية، مكتبتها الخاصة في شارع المتنبي، مما جعل النساء أكثر زيارة له عما سبق.
تعد براء أول فتاة تفتتح مكتبة في المتنبي؛ حيث تعد هذه المهنة سابقاً حكراً للرجال.
باتت الآن زيارة النساء العراقيات ومن جميع المحافظات إلى شارع المتنبي أكثر من ذي قبل، خصوصاً لزيارة مكتبة البراء التي اُفتتحت في وقت سابق، وأصبحت المرأة العراقية اليوم أكثر اهتماماً بالمطالعة والقراءة والمشاركة بالفعاليات الثقافية والأدبية.
خالد من عشاق شارع المتنبي وهو يزوره باستمرار، يقول: لا يوجد وصف للمتنبي فهو الأصالة والتاريخ، فعند دخولك لإحدى المكتبات فأنت تدخل لعالم آخر مليء بالمعرفة وتاريخ الشعوب، ومن جهة أخرى تجد الروايات والمؤلفات التي لا يستغني عنها أي مثقف أو ناقد.
يتابع قوله: إن هذا المكان له روح تشدك إليه، خصوصاً في أيام الجمعة حين يفترش الباعة كتبهم على الرصيف، فيصبح أشبه بمعرض للكتاب، ويجتمع الأدباء والنقاد والمثقفون على مقهى الشابندر؛ ليتبادلوا أطراف الحديث والشعر والنقد الأدبي.
مصطفى أيضاً يزور شارع المتنبي ويقول: هنا كل شخص يعبر عما في داخله، والمتعة هي أن تناقش القراء والمثقفين عن قرب، وتتعرف عليهم أكثر، ولا يعود زائر من زوار هذا الشارع دون الاستراحة في مقهى الشابندر، واحتساء كوب من الشاي، أو تذوق كبة السراي المشهورة، وفي داخل مطعم السراي الواقع في نهاية شارع المتنبي توجد صور بغداد القديمة وشخصياتها التي كانت محل افتخار الناس، أمثال الرؤساء والملوك وأصحاب المهن والحرف اليدوية.
ورغم التفجير الإرهابي الذي طاله عام 2007 وحرق كل ما فيه تقريباً وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من الزوار وأصحاب المكاتب والمطابع، واستمرار النيران فيه لمدة يومين لتحرق ما تبقى من الكتب فإنه ترمم في فترة قصيرة وعاد كسابق عهده، وعلى الرغم من اجتياح المكتبات الإلكترونية الحديثة التي تضم آلاف الكتب والمؤلفات، فإن قراءة الكتب الورقية ما زالت تحتل المركز الأول لدى القراء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.