لم يصدف أن تعمقت كثيراً في علوم الإدارة، منذ بداية عملي في الصحافة كنت أحلم بأن أكون مراسلاً لا مديراً، لكن شاءت الظروف أن أكون حاضراً في إحدى دورات الإدارة الحديثة بدمشق قبل سنوات.
وفي أحد الدروس، طلب المدرب منا "المشاركين"، تسجيل صفات القائد الناجح كما نتوقعها، وقسمَنا في سبيل ذلك إلى مجموعات، وبعد انتهائنا من الكتابة، طلب أن نختار فرداً من أفراد المجموعة لينقل صفات القائد التي اخترناها.
حينها، قال المدرب جملة لن أنساها أبداً، بعد أن سمى الأشخاص المختارين قادة: "قد يكون القائد أيضاً، فرداً من أفراد المجموعة كان أكثر تأثيراً وعملاً، تنازل لشخص آخر عن القيادة طواعية".
ثمة الكثير من نماذج القادة في مجتمعاتنا، الكثير الكثير من الأشخاص المؤثرين الفاعلين، أصحاب الأيادي البيضاء، وأشخاص بالفطرة لديهم حكمة القائد وآخرون بالخبرة والتدريب، لا يتم التركيز عليهم.
"القائد المختار"، في الغالب، هو من تتجه العيون والكاميرات إليه، في حين أنه قد لا يكون هو قائداً بمعنى الكلمة، هو بكل الأحوال سيتجه نحو كرسي القيادة، في وقت ما زال فيه القائد بصفاته الحقيقية بعيداً عن الأنظار.
ثمة الكثير من الأسباب وراء اختيار قائد "مزيف"، يمتلك بالصورة صفات القائد، أهم تلك الأسباب هو اهتمام الكثير من الناس في عالمنا الحالي بالظاهر "الصورة" أكثر من الاهتمام بالمضامين المهمة.
في الإعلام مثلاً، يستحوذ الفيديو على اهتمام شريحة واسعة من الناس، تزداد معدلات المشاهدة في الفيديوهات القصيرة بالزمن، ويقل اهتمام الناس أكثر فأكثر بالمواد الإعلامية الواسعة سواء أكانت مكتوبة أم مرئية، لتتجه بعدها بعض وسائل الإعلام إلى الاهتمام فقط بإنتاج فيديوهات قصيرة بمعلومات سطحية وتهمل البرامج الجادة التي تهم فعلاً المواطن.
"من يقود هنا: الإعلام أم الجمهور؟"، هو سؤال مثير للجدل، البعض يختار الإجابة عن كون الإعلام هو من يقود، ويقع على عاتقه تقديم مضامين مفيدة لا فقط معلومات سطحية عن أحداث قد تكون في غاية الأهمية للجمهور.
لكن، ربما اختلفت أيضاً اهتمامات الجمهور، وأصبح يرغب في متابعة هذه الفيديوهات السريعة؛ ومن ثم فهو من يدفع الوسيلة الإعلامية إلى الاستمرار في عرض هذه الفيديوهات نزولاً عند رغبة الناس.
في كلتا الحالتين، هنالك قائد، من صفاته أنه حكيم، إن كان سيختار عرض مضمون إعلامي "في حالة وسيلة الإعلام" فحتماً سيختارها لتهم المواطنين، وإن كان سيتابع مضموناً إعلامياً "في حالة الجمهور" فسيتابعه لأنه مهتم فعلاً. وهو ما لا يحصل غالباً.
دعني أسألك بعيداً عن مضامين الإعلام: "هل صادفت في عملك مثلاً مديراً يتمتع شكلاً بصفات القيادة، في حين أن موظفاً آخر في العمل ذاته هو من يتمتع بصفات القائد الفعلية؟". أنا شخصياً قابلت العديد من الأشخاص بصفات القائد، لكنهم ليسوا في مكانهم الصحيح، وأتوقع أنكم قابلتم أشخاصاً بهذه الصفات.
إذن، لماذا لا يكون هؤلاء في موقع القيادة الفعلي؟ لماذا يتسلّم أشخاص غير أكفاء مواقع تحتاج إلى قائد؟ الجواب "بعد الواسطة والمحسوبية"، هو الصورة المغرية التي نصنعها عنهم ويصنعونها عن أنفسهم، وفي الغالب تكون مزيفة وخادعة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.