عن الألم الرحيم.. وكنز جدتي

ظللت عشرة أعوام أنتظر تحقيق النبوءة دون أن أبحث بداخلي عنها، ظننت دوماً أنه شيء سيأتي من العدم كالمصباح السحري أو ساحرة سندريلا ربما، لكنه لم يأت، فتلك المصادفات لا تحدث بالواقع، مضى العام الأول بعد الثلاثين، وجدت الكنز

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/02 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/02 الساعة 03:30 بتوقيت غرينتش

صباح آخر جمعة في عام 2017 قهوة مركزة.. شطيرة جبن.. ورقة وقلم أما بعد العمر يمضي عزيزتي.. لا وقت للبكاء أخبرتني جدتي ذات منام أن هناك كنزاً سأحصل عليه بعد أن أتم ثلاثين عاماً، ظللت عشرة أعوام أنتظر تحقيق النبوءة دون أن أبحث بداخلي عنها، ظننت دوماً أنه شيء سيأتي من العدم كالمصباح السحري أو ساحرة سندريلا ربما، لكنه لم يأت، فتلك المصادفات لا تحدث بالواقع، مضى العام الأول بعد الثلاثين، وجدت الكنز… بعد رحلة شاقة من الألم والفقد والمراهنات الخاسرة، كان الكنز.. أنا بعد بحث مضنٍ، وجدت ذاتي، أحببتها، ورأيت كم هي جميلة، رأيت أنها تستحق ألا تنتظر طويلاً كي تسعد، والأهم أنها لا تستحق ألا تنتظر أحداً أو شيئاً ما.

أحببت ذاتي وأعفيتها من ألم وقسوة الانتظار والأحلام المعلقة على الحافة بين الممكن والمستحيل، خلال عشرة أعوام مررت بتجارب قاسية، حتى إنني أذكر أنني ذات ليلة خلت أن الألم الرابض في عنقي سيفتك بي، وبكيت حتى غرقت ببحر دموع، وظللت أدعو الله أن يلطف بي ونمت مغشياً عليّ، فأهداني الله رؤيا جميلة طمأنت قلبي.. وكلما تذكرت ألمي تذكرت قول الله (ولسوف يعطيك ربك فترضى)، وجدت الكنز يا جدتي في الألم.. الألم الرحيم الذي أهداني قوة ورحمة في آن واحد، وجدت ذاتي في قدرتها على الحب.. ولأجل لحظات الحب الصادق والضحكات النابعة من عمق القلب والوعود التي أبرمتها وكنت صادقة العهد بها، لأجل الحب فقط سامحت كل من أوجعوني ودعوت لهم كلما تذكرتهم وكثيراً ما أذكرهم.

لكن الكنز الحقيقي والأكبر هو أنني، ورغم الحب، بنيت أسواراً شاهقة بيني وبينهم؛ لكي لا يؤلموني ثانية! ذلك لأنني أحببت ذاتي وأعفيتها من الحب الموجع، حتى وإن كان جميلاً، وحينما سكن الألم نفسي يا جدتي أبت أن تنكسر بل أزهرت، وأي كنز أجمل من هذا؟ نبت في شق قلبي نبت فريد، كأن رحمات الله كانت تسقي الجرح، فأحالته شيئاً ينضح بالحب والحكمة والصبر الجميل، نعم إنه الألم الرحيم الذي يخرج أجمل ما بداخلنا، وينثر في أرجاء أرواحنا الوداعة والرقة والرحمة المقتبسة من نور الله، تنساب الدموع فتحفر للزهر خنادق، وتفوح منها عطور الرضا.. وتروي أشجار القوة بالنفس حتى يشتد ساقها، وتزهر الأفرع لتعانق السماء، ويستمر شكر الله الذي منحنا القوة ورزقنا الدعاء المجاب، والقدرة على حماية وحب أنفسنا.

ألم يحمل في باطنه حباً؟ وكل أقدار الله جميلة، وبعض الألم شفاء، وكلما انساب الألم في بحور رحمة الخالق، وكلما كنا أدوات شفاء بيد الله، كانت كلماتنا دواء وابتساماتنا سبلاً للحياة، وبصائرنا طاقات نور. أرى حرائق النفس التي أتت على أخضر العمر ويابسه قد أحالتها رحمات الله حقول لافندر بنفسجية تعبق بعطر هادئ جميل، وما أجمل رحمات الله! أعتقد أن هذا هو الكنز يا جدتي.. أليس كذلك؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد