القدس بين قرارات معطَّلة وأنظمة خادعة..وماذا بعد؟

ولعل أبرز ما سجله التاريخ للقضية الفلسطينية هو خيانة ونفاق الأنظمة العربية لقضية الأمة الإسلامية الأولى ولا يزال.

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/02 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/02 الساعة 04:14 بتوقيت غرينتش

تتمّة تاريخية

لم تكن بداية تفجير الأزمة الجديدة حول القضية الفلسطينية وليدة اليوم، ولكن كانت منذ عام 1995 عندما أقدمت الولايات المتحدة الأميركية على قرار سُمّي وقتئذ "تشريع سفارة القدس"، وهو أول قرار يشرّع نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، تجنب خلالها الرؤساء الأميركيون المتعاقبون (بيل كلينتون – جورج بوش الابن – باراك أوباما) تطبيق هذا القرار؛ ليأتي هذا الأخير بلمساته الترامبية لينفذ وعده الانتخابي ويطبق هذا القرار؛ ليصطدم به مع فئات مختلفة من المجتمع الدولي.

ولعل أبرز ما سجله التاريخ للقضية الفلسطينية هو خيانة ونفاق الأنظمة العربية لقضية الأمة الإسلامية الأولى ولا يزال.

إذ لو كانت عند تلك الأنظمة العربية مثقال ذرة من صدق في تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة لتحررت من زمن بعيد، لكن الاحتلال لم يحتل أرض فلسطين فحسب، بل احتل عقولهم وأفكارهم، ووصل به الحال إلى أن أصبح يحرك تلك الأنظمة ويوجهها كيفما شاء حيثما شاء متى شاء!

فقرة قانونية
المادة 37 من الباب السادس من ميثاق الأمم المتحدة تتحدث عن حالة وضع النزاع ما قبل عرضه على المجلس إذا أخفقت أطراف النزاع في حله عن طريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو بأن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية كما ورد في البند 33 وفي هذه الحالة وجب عرضه على مجلس الأمن بعدها.

أما المادة 27 من الباب الخامس الفقرة 3 تنص على أن تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت.

وفي البند السابق اشترطت المادة 27 إعمال أحكام الفقرة 3 من المادة 52 من الباب الثامن وهى: إذا كانت إحدى دول الفيتو طرفاً في النزاع وتم ذكرها في صياغة المشروع عند تقديمة لمجلس الأمن عندها لا يحق لها التصويت، تقييداً بمبدأ الفقرة 3 من المادة المشار إليها، وتعني بذلك إعادة الحالة إلى مربع الحل السلمي مرة أخرى.

كما جاءت المادة 53 فقرة 1 من الباب الثامن؛ لتفسر لنا ما ورد في المادة 52 التي تنص على استخدام الوكالات أو المنظمات الإقليمية لإيجاد حل للنزاع بقولها "يستخدم مجلس الأمن تلك التنظيمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع، كلما رأى ذلك ملائماً ويكون عملها حينئذ تحت مراقبته وإشرافه".

والخلاصة: أن الدولة التي تكون طرفاً في النزاع لا يحق لها التصويت، وإن كانت من دول الفيتو، ومجلس الأمن يحق له استخدام المنظمات أو الوكالات الإقليمية لحل هذا النزاع المطروح عليه بوسائل مختلفة حسب الصلاحيات المخولة لها، وتتمثل صلاحيات تلك المنظمات الإقليمية في الحل السلمي أو القمعي تحت إشراف ومراقبة المجلس حصراً، ولا يجوز لها غير ذلك.

وفي هذا الصدد فإن ما قام به النظام الانقلابي المصري للقضية الفلسطينية وكبقية الأنظمة العربية الأخرى، من شجب واستنكار أو أي إجراء شكلي للقضية، ما هو إلا نوع من أنواع النفاق والخيانة وخداع الشعوب.

ونظراً لعضوية مصر العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن خلال الدورة الحالية، الأمر الذي أجبرها على أن تقدم "مشروعاً" أجوف لا قيمة له لمجلس الأمن، كان من شأنه أن يحسم الأمر من الجولة الأولى في المجلس دون الذهاب مرة أخرى إلى الأمم المتحدة، إذا ذُكر في صياغته اسم الولايات المتحدة أو ترامب كطرف في النزاع، الأمر الذي أعطى فرصة للأخيرة للحق في استخدام "الفيتو" في التصويت، كما ورد في البند السابع والعشرين من ميثاق الأمم المتحددة، لكن الأمر مبيَّت بليل.

فشل الأمم المتحدة في تنفيذ قراراتها
– السؤال الأول: لماذا تفشل الأمم المتحدة في تنفيذ قراراتها أو في حل مشاكل العالم؟
تساؤل كان مطروحاً منذ فترة وبالتحديد في عام 2014 في مقال لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، والذي تملص من الإجابة عليه الكثيرون من الساسة بطريقة دبلوماسية مغايرة للحقائق، لكن الجميع يعلم الإجابة والأسباب الداعية لذلك.

والإجابة المعروفة لدى الجميع هي: أن هذا الكيان العقيم المسمى بالأمم المتحدة وميثاقه إنما صُنع لأجل إرضاء الـ"خمسة" أعضاء الذين لهم حق الاعتراض "الفيتو"، ولا ننسَ بالتبعية العضو السادس الغائب الحاضر دولة "الاحتلال الصهيوني".

لقد صُنع هذا الفيتو ليعطل الكثير من القرارات التي قد تعتبر قريبة من الإنصاف حول الكثير من القضايا العالقة في الشرق الأوسط، وخاصة القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا.

هذا وقد تم الرفض في الجمعية العامة للأمم المتحدة للقرار الأميركي القاضي بنقل السفارة الأميركية لتل أبيب من قِبَل 128 عضواً مقابل 9 دول فقط من ضمنها ثماني دول مجهرية مؤيدة له، و38 ممتنعة عن التصويت.

والجدير بالذكر أن 22 دولة من حلف شمال الأطلسي "الناتو" بقيادة الولايات المتحدة من أصل 29 صوتاً ضد قرار ترامب وامتناع الباقين عن التصويت لهو محل اعتبار.

الجميع الآن يتغنى بالانتصار الدبلوماسي الذي تحقق من خلال رفض القرار الأميركي بأغلبية الأعضاء في الجمعية العامة، لكن ماذا بعد؟!

لا أقلل من شأن التصويت ضد أميركا لصالح القدس، لكن ما أعنيه هنا هو الوقوف على النتائج والخطوات الإجرائية ما بعد هذا التصويت لصالح القضية الفلسطينية، ومقارنته بما سبقه من قرارات أممية تخص فلسطين المحتلة التي لم يتم تفعيلها حتى الآن.

فهل سيكون هذا التصويت وهذا القرار كمثل من سبقه من قرارات لم ترَ النور بعد وهي حتى الآن معطلة؟

– السؤال الثاني: من يضمن تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة؟

أو بصيغة أخرى مَن يضمن تنفيذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق برفض القرار الأميركي أحادي الجانب بإعلان القدس عاصمة مزعومة لدولة الاحتلال الصهيوني؟

عندما أرى هذا العبث الذي يحدث أسترجع بذاكرتي المقولة التي ذكرها السيد أردوغان في إحدى خطبه عندما قال: "إن العالم أكبر من خمسة"؛ ليعلم الجميع أن ما صنعوه لا يخدم إلا مصالحهم الخاصة وفقط، أما ما عاداها من مصالح الشعوب الأخرى فلا.

للعلم وللتذكير فإن قرارات الأمم المتحدة لا تنفذ إلا على الضعفاء وفقط، أما من يمتلك إرادته فلا، فدولة الاحتلال الإسرائيلي لم تنفذ أي قرار للأمم المتحدة حتى الآن، بل على العكس من ذلك تستمر في كل ما يناهض هذه القرارات الأممية تحت سمع وبصر الجميع، الأمر الذي دعاها إلى أن تختار الوقت المناسب وبقدر من المسؤولية وتحمل التبعات وبالاتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية وبإيعاز منها في أن تجعل الأخيرة تعلن نقل السفارة إلى العاصمة المزعومة "القدس" الآن دون خجل أو خوف من أحد.

فعلى سبيل المثال فإن الكثير من القرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية وأحقية الشعب الفلسطيني في استعادة وطنه المحتل لم تنفذ حتى الآن، بل وعلى العكس من ذلك تماماً يتم تنفيذ كل ما هو ضد هذه القرارات، فمن ضمنها القرارات الخاصة بحق العودة للشعب الفلسطيني وتعويضه، وكذلك الخاصة بوقف الاستيطان ورجوع الحق لأهله.. إلخ كل هذا وأكثر.

بيد أن الأمم المتحدة وبهذا الوصف العقيم والذي أثبت التاريخ والمواقف أن ما يصدر منها لصالح قضايا الشعوب المقهورة أو ما يخص الأمة الإسلامية وفي القلب منها القضية الفلسطينية، هو مجرد حبر على ورق، وليس لديها أدنى مصداقية لتنفيذ تلك القرارات على أرض الواقع.

خريطة الأمن القومي الأميركي الجديدة
لقد وعد ترامب بأن العالم سيكون مختلفاً عقب انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، ولا ننكر للرجل قراراته الحاسمة لبعض القضايا التي كانت مؤجلة، وعلى رأسها البدء في تنفيذ خطة ابتلاع دولة فلسطين من جملة تلك القضايا والخطط المؤجلة.

إن ما يحدث الآن على الساحة الإقليمية للقضية الفلسطينية لهو جزء من الخطة المراد تنفيذها لابتلاع دولة فلسطين كلها وليست القدس وفقط، ولعل ما يروج له الآن بما يسمى "خطة القرن" لهو أدعى دليل على ذلك.

عدو عدوي حبيبي
وإذا ما قدمنا افتراض حسن النية وسلّمنا بأن المملكة السعودية ومن معها من دول الخليج في هذا التوقيت في تعاملها مع الكيان الصهيوني من منطلق "عدو عدوي حبيبي" والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ما هو إلا لدفع ضرر الخطر الإيراني في المنطقة العربية في الوقت الحالي، لقلنا إن اللعب بهذه الطريقة "سذاجة مفرطة" وافتقار إلى الذكاء والحكمة والحُنْكة.

وعلى افتراض نفس المبدأ فإن السعودية تتعامل مع إيران على أنها العدو الأول لها وفي ركابها بعض الجماعات الإسلامية الأخرى المناهضة لسياساتها في المنطقة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، أما الكيان الصهيوني فهو مؤجل لوقت غير معلوم.

ولا عجب ولا ريب في أن إيران هي الأخرى تتعامل بنفس المبدأ وبنفس المعادلة مع السعودية على أن الأخيرة هي العدو الأول لها، وأن معاداة الكيان الصهيوني مؤجلة إلى وقت غير معلوم.

سياسة العصا والجزرة
فالولايات المتحدة أدركت تلك السذاجة العربية وأدركت أيضاً أحلام وطموحات المحمدين "العرّاب والجامح" في الاستيلاء على الملك، فجعلت من إيران "فزّاعة" للمملكة السعودية، الأمر الذي دعا الأخيرة إلى الهرولة ثم الإسراع إلى تقديم تنازلات لا حصر لها للولايات المتحدة والكيان الصهيوني على حساب الشعوب العربية والقضية الفلسطينية بل والأمة الإسلامية جمعاء.

ما يعني أنها وبكل بساطة قد أعطت لإيران فرصة "ماسية" بأن تظهر أمام الشعوب المسلمة بمظهر برّاق ولامع لا تستحقه، وأيضاً تظهر على أنها جزء من الأمة الإسلامية وتعاني ما تعانيه؛ كي تمحو بذلك آثار جرائمها في المنطقة.

ما الحل؟
الحل الحقيقي برأيي يكمن في مبدأ "خلّوا بيننا وبينهم" مع أنه صعب التحقيق، نظراً لوجود الكثير من المعوقات والعراقيل، وأعني بذلك:

– أن تتوقف الأنظمة الحاكمة المتواطئة -وهي جزء أصيل من الأزمة على مر تاريخها- عن محاربة كل ما من شأنه أن يحقق إنهاء الاحتلال وترك الشعوب العربية والإسلامية ودعم المقاومة الفلسطينية؛ لتقرر الأخيرة مصير القدس والأقصى وكل فلسطين.

– إقدام بعض الدول الحريصة على مقدساتها كتركيا وقطر والمغرب والسودان وباكستان وإندونيسيا وماليزيا.. إلخ، على خلق نوع من التفاهم والتعاون المشترك تحت مظلة العمل المشترك للدفاع عن المقدسات الإسلامية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد