أتذكر -يا ولدي- قصة نوح؟! عندما قام بمفرده ببناء السفينة؛ لينقذ البشرية، فلا يتبقّى ظالم أو فاسد.. فما أشبه اليوم بالبارحة، إنه إن عاد فسيجد القوم كقومه لا أحد يساعده، فالكل يهزأ منه، والآخر يمر ساكتاً ظانّاً أن مسّاً قد أصاب نوحاً، فمن هذا الذي سيصنع سفينة وحده؟! وليس هذا فقط؛ بل في وسط صحراء لا زرع بها ولا ماء، كانوا يظنونه كالمسافر خلف السراب!
فكم كنوح يحيا بيننا؟!
إنهم حقاً قلة، ولكن أثرهم باقٍ؛ قد تراهم بأماكن مختلفة وتتعرف عليهم في مواقف متعددة، ولكن ما يجمعهم ثابت، فالفرد منهم بألف؛ بل بأُمة، يحملون بداخلهم هموم الأمة ومشاكلها ويسعون في حلها، تراهم كزارع الفسيلة في يوم الحشر غير عابئ بنتيجة، فكل ما يهمه أن يزرع، وحتماً فسيحصد، ولو قامت القيامة فقد حصد الله له حُسن صنيعته، لا يُلقي بالاً لمن حوله، فإنه إن اهتم لما يقُال له فربما ابتعد عن طريقه، وربما انشغل بما يقولون، فيجد نفسه قد انحرف عن الطريق وزاغ عن مراده.
وعلينا أن نعي أن على كل منا أن يكون نوحَ نفسه ونوحَ قومه، فلا ينتظر أن يتغير الحال أو يتبدل الأمر.
فلو علمت أن الأمة كقلعة خُيّرت أن تكون أحد حُراسها فوافقت ثم تقاعست في الحراسة وغفلت، فاقتُحمت القلعة من الباب الذي أنت حارسه- فلا تلومن إلا نفسك، فليس للعامة شأن في حراسة بابك، فلكل عمله ومهمته، فاحذر أن يُؤتى الإسلام من قِبَلك.
فثغرك -يا بني- هو نفسك وأهلك وعملك ودراستك، أو عمل صغير قد أقدمت عليه ولم تلقِ له بالاً، فقد تُقدم على عمل صغير في نظرك، ولكنه عظيم في شأنه.
فلا تستهِن بتلك الابتسامة التي تطلقها في وجه غريب أو ذلك المعروف الذي تسديه إلى أحدهم، أو تلك الخبيئة من العمل الصالح التي بينك وبين ربك وغيرها مما تظنه من الصغائر، فأنت لا تدري بأيهم يُسد الثغر، فقمم الجمال من حبات الرمل.
وإذا أردت أن تعرف ما معنى أن يُسَد بك الثغر، فانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما دعا ربه قائلاً: "يا ربّ إن تهلك هذه العُصبة فلن تُعبد بعد اليوم" .
فأي سواعد تلك التي يمكن أن يُقام عليها أمة؟! واليوم نحن لا نقوى أن نروض أنفسنا أو نجاهدها في أقل القليل؛ فهل سنستطيع حمل أمة أو مجتمع على كتف متهالك؟!
فأقِم روحك قبل أن تدّعي حمل الأمة فتسقطان معاً.
ألم نعِ أن الأجساد الضعيفة والأرواح المتهالكة لا تقيم أُسرة، فهل سترفع أمة؟!
وعلمنا أن المؤمن كالغيث أينما حل نفع؛ فانظر وتحسس كم أرضاً مُجدبة قد مررت عليها ولم تُنبت!
فقد بكيت بالأمس على سوريا وفلسطين والبوسنة وبورما.. فلم تسقط حلب وفلسطين؛ بل أنت الذي سقطت.. فانهض واستقِم.
وإن كنت حائراً لا تدري على أي ثغر تقف، فليس معناه أنك بلا ثغر، فلم تُخلق تلك الجبال وتُرفع السموات السبع وتُبسط الأرض لمخلوق جاء يلهو ويعبث ثم يرحل في سلام.
فلا تحزن إن كنت من جموع الحائرين، فربما ما يميزك أنك توقن بأنك ستصل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.