هكذا تتقلَّب القلوب

هذا هو تقلُّب القلوب، وهو قد لا يكون مرتبطاً بذات معينة أو شخصية معينة، فهو يحصل للكثير من الناس إن لم نقل كل الناس.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/25 الساعة 02:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/25 الساعة 02:11 بتوقيت غرينتش

قد يرى الإنسان أن التغيير الطارئ على الأصدقاء أو المقربين أو غيرهم شيء غريب لا أصل له، وأنه قد صدر منهم نتيجة لتهاون وعدم مبالاة بمشاعر الآخرين، فمن كان بالأمس صديقك وحبيبك وقريبك تتبادلان الأسرار والكلام والمشاعر، صرت تصادفه الآن ولا تتبادلان الابتسامة حتى.. كنا فصرنا.

هذا هو تقلُّب القلوب، وهو قد لا يكون مرتبطاً بذات معينة أو شخصية معينة، فهو يحصل للكثير من الناس إن لم نقل كل الناس. للأسف، لا علاج لهذه الحالة؛ إنها طبيعة بشرية. غير أن البعض يستطيع تحمّلها وتجاوزها، لكن البعض الآخر يستصعب ذلك، فتضاف إلى كتلة الألم الموجودة داخله، وداخلك..

نعم، لكل منا كتلة ألم تتحكم فيه وتقوى وتتغذى كلما خاب أمله، كلما احتاج صديقاً وافق احتياجه له تقلب قلبه وانشغاله، كلما تفقد رسائله ولم يجد رداً.

لعلكم رأيتم في هذا الإنسان ضعف الشخصية والاتكالية، ولكنه ليس كذلك، إنه شخص أخطأ في ترتيب أولوياته، شخص تربى على منطق المقايضة؛ "إذا اتصلتُ بك يجب أن تتصل بي كذلك"، و"إذا أحببتك يجب أن تحبني في المقابل" وهكذا..

أما قضية الحب هذه، فهي ثورة بشرية ومعضلة حقيقية؛ حتى لو اعتبرنا أن الحب موجود، فهو غير متعلق بالأشخاص ولا بالأشياء، إلا إذا كان هناك خلل وخلط في تحديد مفاهيم الإلف والاحترام والتقبل والحاجة.

فنحن نجمع كل هذه الكلمات والمشاعر تحت سقف "الحب"، ويكون هذا جهلاً كالقول بالمرادفات.. اسمحوا لي بأن أتقدم إليكم بالقول إن الحب بهذا الشكل غير موجود، وأدعوكم إلى البحث عن المصطلح الدقيق الذي يتوافق ومشاعركم.

الحب فكرة.. منهج تنظم به العلاقات، لو كانت حقيقته -كما يراه أغلبنا- لما تقلبت القلوب، ولما سمعنا أن زوجين انفصلا بعد زواج عن حب، إنها خرافة كخرافة التنمية البشرية، يصدقها الناس؛ لأنها تريحهم وتجردهم من مسؤولياتهم، يجعلون منها رفّاً يضعون عليه تجاوزاتهم.

فالخطأ ليس في تقلّب القلب ولا في غياب الحب؛ بل في منطق المقايضة لدى الناس وتوقعاتهم اللامتناهية؛ فمجرد توقعك أن شخصاً سيحترمك في مقابل أنك احترمته لن يوصلك إلى مرتبة الاحترام، فالإنسان يُحترم لأفكاره ولأعماله لا لتوقعاته.

اهتموا لما تشعرون به، فإنه ليس موضوعاً ذاتياً ولم يكن يوماً كذلك، إن التغيرات التي تحدث في نفسك من خلال توترك راجعة إلى توقعاتك؛ لذلك فهي تخلف نوعاً من الإحباط والاكتئاب الذي قد يتحول إلى أمراض نفسية وعضوية خبيثة.

نعم، أمراض خبيثة إذا كنت تظن أن الموضوع سيتوقف عند جَلد الذات والكلمات المحطمة فأنت مخطئ.. جسمك يتفاعل مع تغيرات عاطفتك المؤثرة مباشرة بدماغك، والأفكار السلبية تنتج علاقات سلبية؛ وذلك راجع إلى قراءتها من طرف العقل وتصنيفها بأنها تهديد فيفرز هرمون التوتر (الأدرينالين).

ومما لا يخفى عليكم أن هذا الهرمون يُعرف بهرمون التوتر أو هرمون الخوف؛ يُفرز في حالة الضغط الشديد أو الخطر المفاجئ، وهو عبارة عن رد فعل الجسم عبر تسريع نبضات القلب وضخ الدم لإمداد الخلايا والعضلات بمزيد من الأكسجين.

وهذا الهرمون إذا تجاوز الحد المتوسط، فإنه يؤدي بالإنسان إلى أمراض عدة؛ كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والجلطات والاكتئاب.

الشاهد عندنا لذكر هذا الهرمون، هو أن التوقع والانتظار صورتان من صور التوتر، التوقعات التي لا أصل لها تؤذيك بشكل مباشر، وإذا ركزت أكثر فستجد أنك الخاسر الوحيد من تصوراتك السلبية، بصيغة أخرى توقعك قد يقتلك.

فالتقلب في القلب أصيل والتوقع دخيل، فلا تجعل من الدخيل أصلاً تبني عليه؛ لكي لا تهدم أفكارك وعلاقاتك، هناك صلة وطيدة بينهما كما سبق الذكر. (لا تنتظر أحداً.. فلن يأتي أحد)، هذا ما قاله فاروق جويدة عن الانتظار، قد تبدو هذه العبارة قاسية بعض الشيء، لكنها ألين ألف مرة مما ستشعر به إذا تقلبت القلوب تجاهك دون سبب واضح.

ختاماً، ذكر أبو حامد الغزالي في رسالة له كلاماً جميلاً في تقلُّب القلوب، حيث قال: "وقلب الإنسان أشد تقلُّباً من القِدْر في غليانها". فهذا حال القلوب، فقط ابتسم ولا تنتظر ابتسامة في المقابل، واسأل ولا تبخل بالسؤال، واحترم وأنصت وانصح، ابتعد ما أمكن عن المشاعر العابرة، وإياك والانتظار؛ فالقلوب تتقلب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد