إدمان مخدر النميمة آفة مدمرة وعواقبها زيادة العنف والكراهية عند المغربي

"مجرد فكرة": يشتغل عليها الفرد ذهنياً ليضخمها حتى يشعر بأنه ضحية؛ ليُبرر الدفاع عن نفسه بِتدمير الآخرين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/25 الساعة 02:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/25 الساعة 02:10 بتوقيت غرينتش

شخصياً، لا أعرف مغربياً واحداً من أي دينٍ كان ومن أي بيئة كانت، لا يستهلك جرعات من مخدر النميمة رغم أن كل الديانات القديمة والحديثة والأعراف الأخلاقية تحرّم هذا المخدر الفتاك، أكبر مدمر للجهاز النفسي بحيث يصل بمدمن النميمة إلى الاكتئاب وفقدان الثقة بنفسه.

إذا عجزت كل الديانات من دون استثناء على القضاء على آفة النميمة، فربما لأنها من مكونات المغربي المتأصلة كلون البشرة مثلاً؟ إنه مجرد سؤال وتساؤل؟ نجد هذه الآفة في كل الأوساط (العائلية، السياسية، الدينية، الصحفية، الإعلامية، بين الأزواج، بين الإخوان، بين الجيران…) وأصبحت مثل الأكسجين!

سأتطرق إلى النميمة من الجانب النفسي، وسأحاول توضيح أسباب إدمانها.

1- تحليل مراحل تطور إدمان مخدر النميمة:
المرحلة الأولى "مجرد فكرة": يشتغل عليها الفرد ذهنياً ليضخمها حتى يشعر بأنه ضحية؛ ليُبرر الدفاع عن نفسه بِتدمير الآخرين.

المرحلة الثانية "التسويق": من الفكرة إلى التعبير عنها (تسويقها) لبقية أفراد محيطه؛ لاستقطاب الجنود المؤيدين له؛ حتى لا يشعر بثقل الذنب وحده. أما بالنسبة للجنود المدافعين، فهي فرصة ثمينة للتشارك في استهلاك مخدر النميمة. وهذا المخدر يوحد لفترة معينة "مدة الاستهلاك" بين مدمنيه ويشعرون معاً بالدفء الفريقي.

وهكذا تتكون أول مجموعة، ثم كل فرد يذهب بدوره إلى توزيع مخدر النميمة داخل دائرته الخاصة، ويتم من ثم تسويق المخدر بسرعة فائقة في كل أنحاء الوطن وحتى خارج حدوده.

المرحلة الثالثة "النزاع": بعد التعبير أو التسويق، تأتي مرحلة النزاع بين بائع مخدر النميمة ومستهلكه. وهذه النزاعات تجعل البائعين يتكاثرون ويُسَوِّقون مخدر النميمة الممزوج بعصير المنازعات ويكثر الطلب أكثر فأكثر عليه. وكل مستهلك يصبح بدوره موزعاً للمخدر وتتكرر العملية إلى ما لا نهاية.

المرحلة الرابعة "الانتقام": بعد النزاع، تأتي مرحلة الانتقام، حيث تبدأ عملية تصفية الحسابات بين العائلات والأصدقاء والجيران وحتى في اللقاءات الاجتماعية والسياسية والدينية أياً كانت هوية أفرادها، وتتكون مجموعات ومجموعات مضادة إلى ما لا نهاية. وهذه العمليات تذكرنا بحروب مافيا المخدرات.

يتطور الإدمان على شكل دورة تبتدئ بـ"فكرة" وتنتهي بـ"الانتقام". وكل دورة عند نهايتها تولد الآلاف من الدورات، وتتكرر العملية نفسها بالنسبة لكل دورة ويصبح عدد الدورات يتضاعف كشبكة عنكبوت من دون نهاية.

2- العواقب النفسية لإدمان مخدر النميمة:
تعوّد المغربي أن يشعر بالمتعة بمجرد أن تنشأ بداخله فكرة النميمة وتغريه بتدمير الآخر، ولكن بعد تسويقها مع محيطه ينتشر المخدر بشكل لا يحمد عقباه. مَثل هذا كمثل المخدر، في أوله متعة وفي آخره عذاب وسراب.

إن النميمة -بلا أدنى شك- تخلق خللاً في الاستقرار المزاجي وحالة من فقدان الثقة بالنفس، وتخلق نزاعاً بين مُيولنا الأخلاقية وغرائزنا الحيوانية. فكل مدمن للنميمة يلاحظ أنه يقوم بأشياء لا يرضى عنها بنفسه ويقع في صراع بينه وبين صورته في مرآة الضمير في لحظات المواجهة والمُكاشفة . وبعد تسويقها يحل وهو أقسى عذاب نفسي.

3- أسباب إدمان مخدر النميمة:
– التربية: سواء بالمنزل أو المدرسة، ما زالت التربية تعتمد على المنافسة والمقارنة. وهاتان الطريقتان تولّدان الحسد والحقد الداخلي، وهما أكبر أعداء للراحة النفسية. وللحد أو تخفيف آلام الحسد والحقد، يلجأ المغربي إلى مخدر النميمة للشعور بالراحة، وهكذا يصبح مدمناً؛ لأن المغربي يبقى دائماً سجين المنافسة واستعمال المقارنة.

– التربية الدينية الخاطئة: الثقافة الدينية السائدة تركز على أخطار النميمة من زاوية العقاب الإلهي، ولا تحاول أن تعلّم الطفل أن النميمة تفكير سلبي خطير على راحته، وأنه فحمٌ سام لسلامة فؤاده وراحة ضميره. ولا نُعلمه بالمقابل أن التفكير الطيب إيجابي لسعادة الإنسان، وأنه بمثابة سراجٍ منير للقلوب والأرواح.

– العنف والقمع والحكرة: هذه المعاملات تولِد الثمار السلبية نفسها وتحفز إدمان مخدر النميمة؛ بحثاً عن المتعة المؤقتة.

– غياب تشبُّع الطفل بالحنان الأبوي: يجعله يفقد الثقة بنفسه منذ الصغر ويرى نفسه ضحية، والضحية لحماية نفسها لا بد أن تُحدد أعداءها، وهكذا تنشئ سلاح النميمة لشن الحروب عليهم.

– المغربي مُدَمَّر ومُدمِّر: أسهل طريقة لتدمير الذات والغير هي النميمة وإدمانها.

الدّين بقيمه النبيلة ليس كافياً وحده للسيطرة على إدمان النميمة، فلا بد للعلم أن يرافق الدّين للقضاء على هذه الآفة التخريبية؛ لأن الدّين والعلم كجناحي طائر الإنسانية، لابد أن يكونا متوازنين ومتناغمين حتى يَطير هذا الطير طيراناً سليماً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد