سرطان الثدي هو الأكثر شيوعاً بين النساء، والإحصائيات والأرقام للنساء المصابة صادمة جداً رغم تطور أساليب العلاج وتطوير أجهزة فحص ومراقبة حديثة ومحاولات توعية للوقاية قبل الإصابة بالمرض، ولكنه ما زال يحتل المرتبة الأولى بالإصابة.
يعتبر من أكثر أنواع السرطانات التي قد تصيب النساء، وهو الأكثر انتشاراً في العالم؛ حيث تصاب سنوياً امرأة من بين كل ثماني نساء، وفي الأعوام الأخيرة زادت نسبة انتشاره بشكل ملحوظ، نتيجة قلة نشر الوعي بسبب الحروب، والإهمال، والوضع الاقتصادي المتدني والمنتشر بشكل ملحوظ، خاصة في الدول العربية، وذلك لعدم وجود تأمين صحي مجاني يؤمّن للمريضة كافة الفحوصات والعلاجات اللازمة.
تعد الإصابة بسرطان الثدي من أصعب المواقف التي قد تواجه المرأة، وصدمة تشخيص المرض قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية شديدة تؤثر على الصحة النفسية الجسمانية للمريضة، مما يؤدي إلى تفاقم الحالة لدى المريضة تصل لدرجة الامتناع الكلي عن تناول الطعام (مما يضعف مقاومتها)، أو تصل حتى العزلة التامة، تصل لمستوى الاكتئاب والابتعاد عن الأهل والأصدقاء.
لذلك لا بد من الاهتمام بالعلاج النفسي بدرجة تصل لأهمية العلاج الدوائي، وهذا للأسف غير متوافر في معظم المستشفيات في دولنا العربية رغم أهميته وخطورته، ورغم أنه يشكل دوراً مهماً في المساعدة بالعلاج وتحسين الحالة.
أنا برأيي يجب أن تتوافر المساعدة النفسية ليس للمريضة فحسب، وإنما لزوجها وأهلها وأولادها وأصدقائها المقربين حتى يستطيع الجميع تقبل المرض ومساعدة المريضة على تخطي كل ما فيه من ألم نفسي وعلاج مطول، مما يعطيها دعماً نفسياً أكبر؛ حيث الإصابة بالمرض لا تؤثر على المريضة فحسب، وإنما تؤثر على العائلة ككل، وهذا ما أثبتته الدراسات أن المريضات اللواتي تلقين مساعدة نفسية كنّ الأقدر على تخطّي المرض، وكلما بدأنا برفع معنويات السيدة المصابة بشكل مبكر كانت أقدر على تقبل المرض، وبالتالي تقبل العلاج وما يحويه هذا العلاج من تغيرات نفسية وجسدية مصاحبة.
وبصراحة أكثر يجب أن يكون الدعم النفسي لزوج المريضة مساوياً تماماً للمريضة نفسها؛ لما المرض من تأثير سلبي على الزوج وصحته النفسية، وما يعاني به من شعور بالضيق والتوتر وعجزه عن مساعدة زوجته المصابة، فإما أن يصبح سلبياً، أو أن تصل العلاقة الزوجية للهجر التام ومعاملة الزوجة بمبدأ الشفقة دون الاعتبار بأنها زوجة، ومن خلال ممارستي المهنية، وصلت بعض الحالات لدرجة إنهاء العلاقة الزوجية تماماً، خاصة إذا كانت الإصابة بالسرطان بمراحل متقدمة تصل للاستئصال، أزواج كثيرون لم يتقبلوا الحالة النفسية والجسدية التي وصلت لها زوجاتهم.
والموقف السلبي للزوج يسرع بالحالة السيئة العامة للمريضة، وبالتالي يؤخر العلاج.
رغم أن استئصال الثدي يعتبر للسيدة هو استئصالاً لجزء من أنوثتها، ورغم الحالة العامة السيئة التي تعاني منها، ولكن هجر الزوج ربما يكون هذا من أكثر الرضوض التي تعاني منها المرأة المصابة، فضلاً عن خوفها الدائم من الموت وفراق عائلتها: ذكرت إحدى مريضاتي في حديثها عن زوجها وعلاقتهما الزوجية أن هجر زوجها لها كان أصعب عليها من الإصابة بالسرطان نفسه.
لذلك الإحاطة النفسية بالمريضة وعائلتها واستمرار العلاقة الزوجية بشكل طبيعي أو أقرب للطبيعي تعتبر الحجر الأساس في العلاج، ودعم دور الزوج وما يمد به زوجته من شعور بالحب والحنان والاهتمام والعاطفة في وقت هي الأحوج فيه لكل ذلك، يساعد الزوجين على تخطي هذه المرحلة بنجاح أكبر.
لذلك بات التدريب المهني للطبيب المعالج ومهارته بالتعامل مع المريضة وزوجها وعائلتها عن طريق المشورة الخبيرة المختصة يعتبر جزءاً من بروتوكول العلاج، بالإضافة للعلاج الطبي جنباً إلى جنب، وبالتالي يؤدي لتحسن الحالة العامة ومساعدتها على تقبل المرض والتعايش معه، بحيث تتأقلم مع التغيرات الجسمانية والنفسية المصاحبة للمرض، وتجعلها أكثر قوة وصموداً في مواجهته، وبالتالي تتغلب على الاكتئاب والخوف من المرض والعلاج.
ويصبح لديها خبرة أكبر في التعايش مع المرض، ومهارة أوسع للرد على أسئلة الآخرين دون الشعور بالألم والمشاعر السلبية المختلفة، أو حتى الإحراج.
وفي دراسات أُجريت على عدة مريضات أُصبن بسرطان الثدي، وجد أن المصابات بالإحباط والحالة النفسية السيئة هن الأسرع في خطر الوفاة بالمقارنة مع اللواتي يحافظن على حالة مزاجية جيدة، ويفكرن بشكل إيجابي بآلية التعامل مع المرض وحل المشاكل بطريقة ذكية، كما أنهن الأسهل لتقبل العلاج واتباع توصيات الأطباء المعالجين والنضال من أجل الشفاء؛ لذلك من الضروري اجتماع الدعم النفسي إلى جانب العلاج الدوائي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.