رسالة من رجل

آلمتني كلماتك كثيراً يا سيدي، وتمنيت أن تصل لجميع البشر؛ ليروا كيف أن ضغطهم على الضعيف أياً كان أسباب ضعفه ماذا نتج عنه؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/13 الساعة 04:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/13 الساعة 04:59 بتوقيت غرينتش

* هو: (سيدتي جئت إليك بعد أن ضاقت بيّ السبل، فبعد كل ما قدمته من تضحيات أصبحت وحيداً، برغم أن أبنائي وزوجتي ما زالوا حولي، والجميع يحسدني على عائلتي، فالناس ليس لها إلا المظهر، وهذا ما كنت أضع فيه جل تركيزي، ولكن فاض الكيل وسئمت الناس بل سئمت حياتي.

أعترف إليك بأنني رجل لا أقوى على مواجهة غضب زوجتي العارم لو قررت يوماً صبّه عليّ.

وأبنائي برغم حبهم الشديد لي فإنني أرى في جميع تصرفاتهم أن رأيي ليس له قيمة بالنسبة لهم.

الجميع يرون أنني لا أغضب أبداً؛ لذلك آخر ما يلقون له بالاً هو غضبي ولماذا؟ لأنني لا أقوى على التعبير عما يحزنني أو يغضبني، برغم ما بداخلي من غضب شديد وحزن، الذي وإن نفست عنهما يوماً من الأيام سيمتلئ بهما العالم.

أقسم لك أنني أرى في عين زوجتي الاحتقار، بالرغم من أنها تخبرني دائماً أنها لم ولن تجد مَن يعاملها كمعاملتي، ولكن عندما أتشجع من كلماتها تلك وأُبدي رأيي في أمر ما أجد تلك النظرات التي تصيبني بالخرس.

لغتي في الحوار عندما تتعرض هي أو أبنائي لمشكلة هي الاستسلام، وأستطرد بعدها في جملتي الشهيرة (اتركوها لله وسامحوا)، فأنا يا سيدتي لا أجيد أي رد فعل غير الاستسلام، لا أستطيع أن أواجه العالم، لا أريد أن تهتز صورتي أكثر من ذلك أمامهم.

أنا الآن أصبحت ناقماً على حياتي، أكره نفسي، ولن أسامحها؛ لأنها سبب في إذلالي وسبب في أنّ مَن أحبهم يتلذذون بتعذيبي، وسبب في أنني لم أعُد رجلاً في نظر زوجتي ولا سنداً في نظر أولادي).

آلمتني كلماتك كثيراً يا سيدي، وتمنيت أن تصل لجميع البشر؛ ليروا كيف أن ضغطهم على الضعيف أياً كان أسباب ضعفه ماذا نتج عنه؟

الحقيقة يا سيدي هذه هي قواعد الزمن العكسية التي وضعها جحود البشر، فكلما زاد ضعفك زادت آلامك، وكلما زادت قوتك حتى ولو في الباطل علا شأنك.

والآن دعنا من هذا، وخذ معي قراراً بالخروج من شرنقة الضعف هذه؛ لكي ترى نفسك النور من جديد، ولكن قبل الخروج أود أن أوجه لك بعض الأسئلة:

* هل دائماً ما تعاني من التردد في اتخاذ أي قرار حتى ولو لأمر خاص بك؟

* هل تعاني من الخوف عندما تكون في مجلس مثلاً وطلب منك التحدث أمام الناس، خوفاً يجعلك تتلعثم وتتصبب عرقاً، وإن تحدثت لا تستطيع النظر في عيون مَن تتحدث إليه؟

* هل تعاني من عدم الثبات على رأيك في شخص أو عن موقف، بمعنى أن أي إنسان يستطيع التأثير على رأيك بسهولة؟

* هل تميل إلى أن تُقاد من أي شخص حتى ولو كان يصغرك، فهذا يقلل الضغط عنك من وجهة نظرك؟

* هل تشعر بالارتياح عندما تظهر بصورة الذليل أمام مَن تراه أقوى منك؟

* هل أحياناً تكذب لتهرب من التأنيب أو لتحسين صورتك؟

* هل تهرب من حضور المناسبات الاجتماعية المهم وجودك بها؟ ولو أُجبرت عليها كيف يكون موقفك؟

إن كانت إجابتك بنعم على الغالبية من هذه الأسئلة، إذن فأنت يا صديقي تعاني من (ضعف الشخصية)، التي أساسها ضعف ثقتك بنفسك، وأنت معاناتك ضعف معاناة غيرك، وهذا لأنك رجل والمجتمع لا يرحم المرأة ذات الشخصية الضعيفة، فما بالك لو كانت هذه الشخصية رجلاً؟

وبرغم الضيق الذي أراه على وجهك الآن وأنت تقرأ، فأجمل ما في رسالتك أنك أدركت أن ما وصلت إليه كان وما زال بسبب نفسك، وإلى أن يعود البشر إلى فطرتهم، وإلى أن يطبقوا المبدأ الذى طبقه أبو بكر (الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله)، فلا تنتظر منهم شفقة، وليس أمامك إلا إصلاح نفسك، ولن يصح الإصلاح إلا بالبحث وراء أسباب الفساد.

فهيا بنا نبحث وراء أسباب ما وصلت إليه:-

* أول وأهم هذه الأسباب لضعف شخصيتك هو التربية الخاطئة يا صديقي فهي أبداً لم تكن وليدة اللحظة، هي نتاج مواقف في الطفولة إما الدلال الشديد أو القهر الشديد.

فلو عدت بذاكرتك ستجد أن طفولتك كان فيها مَن ينوب عنك في مواجهة الصعاب إما للدلال أو الخوف المبالغ منه من الأهل، أو أنك كنت تُحرم من الاعتراض أو إبداء رأيك، ولو فرضنا أنك أصررت على ذلك تواجه بالإهانة أو الضرب.

* وبعدما أصبحت شاباً وجدت نفسك غير مسموح لك بين أقرانك أن تبدي رأيك أيضاً، ولم تجد غرابة فأنت معتاد على ذلك.

* في الغالب أيضاً أنت شخصية شديدة الحساسية وتخشى من أن تُجرح بأي كلمة من أي شخص، فأصبحت تفضل العزلة لكي لا تواجه الألم، إلى أن تحولت عزلتك إلى خوف شديد.

* وبرغم هذا الحصار الشديد الذي فرضته على نفسك لا تلبث أن تسمع كلمة تهدمك من الداخل، وهي لم تهدمك في الحقيقة إلا لأنك قررت أن يتشبع بها عقلك الباطن ويصدقها ويتعامل معها على أنها حقيقة وليست رأياً صادراً من شخص فقط.

* أيضاً من ضمن الأسباب هو تعرض الشخص إلى صدمة عنيفة أو فقد أحد الوالدين، فيؤدي ذلك إلى تلك الشخصية الضعيفة.

كل هذه الأسباب مجتمعة أو منفصلة أدت إلى تكون رجل ضعيف لا يقوى حتى على التألم، إلى أن يصل إلى شخص مهزوم، ثم في النهاية إلى شخص شديد العدوانية حتى على أقرب الناس إليه، عدوانية، منهم من يُخفيها ومنهم مَن يعلنها، وتكون مثل الفيضان الذي لا يُبقي ولا يذر.

وأما بعد الإدراك يا صديقي الذي وضعتك فيه الآن، لا بد من علاج لِما يؤرق نفسك ويفقدك روحك فلا تقوى على استكمال ما خُلقت من أجله:-

* أولى خطوات العلاج هي أن تتبنى قناعة أن ليس هناك ضعف شخصية مطلق، فهذه القناعة ستساعدك على تخطّي أول الطريق بمنتهى السهولة.

فأقوى أقوياء العالم لديهم مواقف يضعفون فيها، ولكنهم يعرفون كيف يتقمصون الشخصية القوية حتى يُصدقوا أنهم أقوياء دائماً، والعكس صحيح.

* ثانياً: بما أنك أخبرتني أن أبناءك يكِنّون لك الاحترام والحب الشديد تحدث عما يؤرقك لهم أو لأقربهم إليك، وأكاد أجزم لك بأنه سيساعدك؛ لأنهم جميعاً يريدون أباً قوياً.

* استجمع قواك وأسمِع نفسك ما لا تريد أن تسمعه، وواجه مخاوفك في كل موقف، وما سيشجعك على المواجهة هذا السؤال السحري: (ما أقصى خسارة سوف أتكبدها؟).

أجب عليه، وحلله مع نفسك ستجد في النهاية أن نفسك تتقبل المواجهة رويداً رويداً، صحيح أنها في أول مواجهة ستتقدم وهى ترتعد، ولكنها بالوقت ستعتاد.

* درّب نفسك على أخذ القرارات حتى وإن خسرت في بداية الأمر، وحتى وإن واجهت مقاومة ممن حولك.

فما سيهدّئ روعك، ويقلل حيرتك هي القرارات المدروسة، وإن لم تقوَ في البداية على دراستها، الجأ إلى مختص ليوجهك أو إلى صديق لا تقلق من إظهار نقاط ضعفك أمامه.

* اقرأ يا صديقي عن نفسك كثيراً، ستتقزم قيمة الناس داخلك؛ لأن قيمتك ستعلو في عينيك.

* اعلم أنك لكي تغير هذه الفكرة التي كوّنتها في عقول من حولك عنك وهو أنك ضعيف الشخصية ستأخذ وقتاً، فلا تشغل بالك متى يغيرون فكرتهم، ولكن اجعل شغلك الشاغل كيف تغيّر فكرتك عنك أمام عقلك الباطن، واعلم أن سلوكك هو السبب في الصورة التي يكوّنها مَن حولك عنك.

* أما عن الصراعات التي بداخلك فلا يراها أحد غيرك، فاطلب العون من الله وحده، وادعُه يجمع شتات أمرك، ويهبك الحكمة، ورجاحة العقل والرأي التي يتعجب منها الجميع ويتساءلون من أين جئتَ بها بعدما كنت لا ترقى في نظرهم إلى رأي طفل؟

وأخيراً يا صديقي أكررها دائماً، معاناتك ليست بالهينة، ولا تطبيق الحلول هذه بالهين أيضاً، ولكن هل سمعت عن أحد أنهى رحلته بدون بداية، فالبدايات دائماً غير واضحة المعالم إلا لو وضعناها نحن أو رتّبنا شتاتها بالعقل وبعيداً عن العاطفة أو تجارب سابقة، فخذ الوقت الكافي لتحديد معالمها لتطمئن نفسك لسلوك طريقها، وابدأ في تدوين إنجازاتك واستمدّ منها الروح الجديدة المشعّة بطاقة التغيير، ومن ثَم انطلق فأنت معجزة الله في الأرض فلا ستكثر شيئاً عليك، وتذكر دائماً أنت تستطيع إن أردت.
#ببساطة_أووووي

أتمنى يكون المقال نقطة تحوّل في حياتكم وأشوفكم في مقال جديد، مقال يخلّينا سند في دنيا مليانة بالأعباء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد