إثباتات واهمة

كم أنسى نفسي حين أتجاهلني، أتعالى عن كل التفاصيل، في ذات الوقت أشعر بتيه ما حين تتناساني الكلمات، وأظل أبداً في رحلة بحث عنها دون نقطة بداية، مكللة بالنهايات.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/07 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/07 الساعة 05:57 بتوقيت غرينتش

فجر اليوم صحوت وفي ذهني عبارة واحدة: "حظي يعاندني قليلاً"، في العادة أصحو بعد أن يكتب رأسي أشياء كثيرة، أحاول كل جهدي ألّا أكشفها للعلن وللناس وبالأساس لنفسي، وأنام قلقة، وراجية النوم أن يمحوها ويخلصني منها، وأعود جاثية إلى تلك العبارة، وأُصلي راجية كل خلايا عقلي الجامدة وأصرخ بها: "احتاج صحوتك الآن قد ملّت الفراغات خلوّها، قد ملّت أصابعي نومها، مللت نفسي وقد تعودت حبها عبر الحروف"، أنا امرأة تحب نفسها حين تكتب، حين تصمت وتكتب لتجمع فتات الحطام، أذكر أنني حين لاقيت أول خصلة بيضاء بشعري لم يصِبني أي سوء، لم أحزن ولم أنذهل.. أذكر أنني فكرت في ملئه بياضاً لولا كآبة الأسود التي ملأتني سلفاً.

وأذكر جيداً كل النصوص التي أنجبتها، لم تكن منعشة لقلبي بقدر مذاقها الحلو، ولم أخطّها في صباي، كانت حروفي شائخة بضفائر فضية وشفاه مترهلة، وحتى يستمر نبض الحروف، أقطع كل فترة تقصّف ضفائري وألمع شفتي المترهلتين ببريق أحمر، وأضع نظارات تدقق التفاصيل من حولي بدل عيوني التي خذلتني، وأكتب شعري.

كألف شامخة كنت وحيدة، رغبتي في البكاء كانت شبه يومية، وحنيني للوحدة كان يتعاظم شيئاً فشيئاً، وكنت أتساءل كل لحظة: هل ما زلت ألاحق شبحاً حقاً وأصرخ به البقاء وكأنه كيان يتجسد فعلاً؟

كنت متعبة من كل شيء بما في ذلك جسدي، كنت كما لا يجب أن أكون إنسانياً، ووحش بداخلي كان يكبر مثل الورم الذي يتغذى على بقية الأعضاء.

أيام الآحاد كانت بمثابة مقابر أسلم لها نفسي دون شهادة أحد ودون شهادتين، والجُمعات المقدسة كانت تمضي مع نكران كبير لكل ما هو أبدي، أمضي فيها نحو ما خلق عبثاً، وأقطف الورد ولا شيء غير الورود.

كانت وحدها الجديرة بأن توضع على خدودي لتمتص بعض القطرات المالحة التي فلتت خلسة مني، بقية أيام الأسبوع كانت عبارة عن محاولات بلا جدوى في إثبات الوجود، وجود خالٍ من كل شيء سوى التنهيدات.

ومع كل غروب كان قلبي يتحول إلى فُتات، مثل نهايات الصراخ؛ إما أن تنتهي براحة وسكينة أبديّتين، أو بتمزّق شريان دون أثر.

مجرد عبء على نفسي غير مرتب بالمرة، مُذكر يملي على أنوثتي أمر بقاء لا أحتمله، يقترب في ظاهر إلى فكرة استولت على دماغي لأكتبها، وحين أسيل دمي في سبيل بضعة أسطر تخونني الكلمات، ويبقى البياض بياضاً، هادئاً طائشاً غبياً ومهملاً، وكما يليق بأنثى فقدت كيدها أحمل بقاياي وأسير ناقصة بحنين وبكلماتي التائهة نحو المجهول، وشيء ما يغريني لأكمل المكتمل فيّ دون أن يصير تخمة بقاء.

ولو نجحت حينها فقط في تحبير بعض البياض لما بقيت كفيفة في هذا الضباب، لو فلحت فقط حينها في قطف بعض المعاني لقالوا ها هي تتواجد هنا، ولو كان ذلك المقصود مجرد منفى.

لكنني دون حروفي أقبع مختنقة في اللامكان، بين بعض الأوهام التي تتحاملني وتنتظر انكساري عبثاً كان أو بسبق إصرار.

كم أنسى نفسي حين أتجاهلني، أتعالى عن كل التفاصيل، في ذات الوقت أشعر بتيه ما حين تتناساني الكلمات، وأظل أبداً في رحلة بحث عنها دون نقطة بداية، مكللة بالنهايات.

وفي نهاية ما، وجدت أن الشيء الوحيد الذي يمنع كياني من التهاوي هو فعل الكتابة، حتى وإن كان في بعض اللحظات مجرد عبارات تجرّدت من معناها، لكنها تفعل بي ما لا يفعله الدين والحب والحياة ذاتها، ولذا أكتب بحروف صامتة أحياناً، والحروف عوالم ودهاليز يمكنني أن أشق ظلمتها دون شموع.

الحروف تشبه المواعيد المنتظرة التي تأتي قبل موعدها، وإن أخلفت موعدها تظلّ بانتظارها دون تفقد الساعة، هي الشيء الوحيد المنتظر دون ملل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد