شركة المرعوبين المحسودة

على كلٍّ، الأمر اختياري، تريد أن تتحدث عن نعم الله عليك فهذا حقك، تريد أن تخفيها هذا حقك، ما ليس حقك هو أن تمنح نفسك أفضلية عني وتخبرني بأنني ساذج؛ لأنني أتحدث عن نعم الله عليّ؛ أفرح بإنجاز، أنشر صور ابني، أعبّر عن حبي لزوجتي.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/30 الساعة 09:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/30 الساعة 09:19 بتوقيت غرينتش

"من شر حاسد إذا حسد" انتهى الأمر عند تلك الآية.
في الواقع، يُحزن الكثير من الناس علمُهم المفاجئ أن أحد أصدقائهم أنجب طفلاً دون أن يخبرهم، والآخر سافر للعمل خارج البلاد سراً، وهذا يُخفي مجموع ابنه الحقيقي ويُخبرك بمجموع أقل.


"أنا أكذب؛ لأنني أخشى الحسد! وأخفي نعم الله؛ لأنني أخشى الحسد!".

على كلٍّ، الأمر اختياري، تريد أن تتحدث عن نعم الله عليك فهذا حقك، تريد أن تخفيها هذا حقك، ما ليس حقك هو أن تمنح نفسك أفضلية عني وتخبرني بأنني ساذج؛ لأنني أتحدث عن نعم الله عليّ؛ أفرح بإنجاز، أنشر صور ابني، أعبّر عن حبي لزوجتي.

ما دام الأمر ليس فيه مغالاة ولا تباهٍ ولا فخر، فالأمر كله لذكر وشكر نِعم الله، والتعبير عن الحب لأقرب الناس إليك، ولنشر الإيجابية في المجتمع.

"لا تضع صورة لك وأنت تأكل المانجو على الفيسبوك؛ فسعرها ارتفع الآن، سيظن الناس أنك غني، وأنت لست كذلك!".

وصل مفهوم " فوبيا الحسد " إلى ذروته في مجتمعاتنا العربية.. أنا أقر بوجود الحَسَد، ولكن هل فهمتم أولاً ما الحَسَد؟

يقول الله تعالى: "ومن شر حاسد إذا حسد" صدق الله العظيم.

الحاسد: هو الشخص الذي يتمنى أن تزول النعمة التي لديك، أو الذي يتمنى أن يصبح مثلك.
حتى هذا التعريف ليس هناك ضرر، فبهذه النظرة فالجميع محسود والأغلبية حاسدة.

من منا لم يتمنَّ شيئاً لدى شخص آخر؟ ومن منا لا يتمنى شخص آخر شيئاً لديه؟

أما في فهم الحسد ففي الآية "إذا حسد" ؛ أي ممن حوّل حسده إلى ضرر لشخص آخر بالقول أو الفعل.

القول: كما فعل إبليس وإغواؤه آدم وزوجه للأكل من الشجرة؛ لأنه يعلم أن الله نهاهما عن ذلك.
الفعل: كما فعل قابيل مع هابيل، حسده في فعل وهو القتل.

الإيمان بأن القدر بيد الله

الإيمان بأن لا نفع ولا ضر إلا بيد الله يتعارض تمام التعارض مع فكرة أن "نظرة إنسان تؤذيك".

"العين تنزل الرجل القبر"، هذا حقيقي؛ لكنها تُنزله بأمر الله، ليس لأنك أنزلت صورتك على الفيسبوك، إذن فلماذا يمرض أبناء من لا ينشرون صور أبنائهم على السوشيال ميديا مطلقاً؟! لماذا يرسبون، ويخفقون؟!

روي عن سيدنا الحسين بن علي -رضي الله عنهما- أنه قال: "إذا عملت خيراً فحدِّث إخوانك ليقتدوا بك".

نحن نتعلم الخير من البار بوالده، من الزوج الصالح، من المدير الكريم، من المربي الناجح.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: "لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين"، دليل على أن المرء لا يصيبه إلا ما قُدِّر له، وأنه حتى العين لا تسبق القدر فما بالكم بغيرها.

فالعين حق، لكنها لا تسبق قدرك، فما قُدِّر لك سيحدث، ولكنْ هناك احتمالان: أن فلاناً حسدك، لو حدث من حَسَد، فحساب الحاسد عند الله، وإن حدث دون حَسَد فهو قدرك.

إذا مِت من المرض فهذا أجلك، وإذا قُتلت فهذا أجلك، لكن القاتل حسابه عند الله.
فإذا كانت العين حقاً، فالقدر حق، ورعاية الله حق، والمعقبات من الملائكة تحميك من أذى البشر من دون أمر الله حق.

ومن الإيمان أن تعلم أن الاستعاذة بالله ستحميك وتحمي بيتك وتحمي حبك لزوجتك، وأبناءك، وتحمي عملك.

وبذكر الحسد يجب ذكر هذه النقطة المهمة:
الشماعة!

الشماعة: "يخبر الزوج زوجته بأنهما تشاجرا بسبب بوست على الفيسبوك نشرته لهدية أحضرها لها".
الواقع: "افتعل الزوج مشكلة على شيء تافه، وتشاجرا، كان من الممكن أن يتغاضى عنه".

الشماعة: "أفلست شركتي بسبب حقد منافسي علي وحسده لي".
الواقع: "أفلست الشركة لسوء الإدارة واتخاذ قرارات خاطئة".

عندما يصبح "الخوف من الحسد" وسواساً قهرياً، ويتحول إلى مرض الخوف من كل شيء، وصل الأمر ببعض الزوجات أن تسب زوجها وتنتقده لصديقاتها خوفاً من أعينهن!

لا تنسوا أيضاً أن الذنوب، البعد عن الله، الكسل، الإهمال، الاستهتار قد تجعل المعيشة ضنكاً، وقد تسبب الأمراض، والأخطاء، وليس الحسد فقط.

ونصيحتي الأخيرة إليكم:
راجعوا أنفسكم، اعترفوا بالحسد دون مغالاة ودون وساوس، ولا تنسوا هذا الحديث العظيم:
"احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف ".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد