في قصيدة شهيرة للراهب الألماني مارتن نيمولر، خلال حقبة الحكم النازي، قال فيها: "جاءوا أولاً إلى الشيوعيين واضطهدوهم ولم أرفع صوتي؛ لأنني لم أكن شيوعياً، ثم جاءوا إلى الاشتراكيين ولم أرفع صوتي، ثم اضطهدوا أعضاء النقابات ولم أرفع صوتي؛ لأنني لم أكن نقابياً، ولما اضطهدوا اليهود لم أرفع صوتي؛ لأنني لم أكن يهودياً، ثم اضطهدوا الكاثوليك فلم أرفع صوتي؛ لأنني لم أكن كاثوليكياً، وبعدئذ جاءوا إليّ واضطهدوني فلم يتبق أحد ليرفع صوته دفاعاً عني"، فلا تتعجب عندما لن تجد أحداً ليدافع عنك، فقد فعلها كل منا تجاه الآخر في وقت من الأوقات، والآن حينما يحدث ذلك لمتبعي الطرق الصوفية نجد بعضاً من المبررين مدافعين عن كونهم غير متبعين لصحيح الإسلام.
مسلسل الدم المستمر في هذا الوطن البائس من موقعة الجمل إلى ماسبيرو إلى محمد محمود إلى رابعة إلى قتل الجنود المسالمين الذين يحمون الحدود إلى تفجير الكنائس، وانتهاء بالحادث الأليم بقرية الروضة بالعريش، في وطن أصبح فيه كل فصيل يبحث عن مصلحة أعضائه دون أن يلقي بالاً إلى باقى أفراد المجتمع، وما الغريب إذا كان رؤساء هذه الدولة البائسة يرون إمكانية استمرار الدولة بفصيل على حساب آخر، وأنه يمكن التضحية بالبعض من أجل استمرار جهود التنمية، تلك التنمية التي أصبحت تتمثل برفع الدعم وغلاء الأسعار وإثقال الكادحين بما لا يطيقون.
حادث قرية الروضة الذي أسفر حتى الآن، وطبقاً لتصريح النائب العام عن 305 قتلى، منهم 27 طفلاً وما يقارب 128 مصاباً واستهدف فيه المسلحون وهم أكثر من 25 إرهابياً يحملون علم داعش، المصلين بمسجد قرية الروضة غرب مدينة العريش، التابع للطريقة الجريرية، وهي إحدى الطرق الصوفية التي تعتبر القرية معقلاً لها وقد قامت الجماعات الجهادية بتكفيرها من قبل.
وقد صرحت بعض المصادر القبلية بالقرية أن التفجير استهدف مسجداً عن طريق استخدام عبوة ناسفة أثناء خروج المصلين من الصلاة، أتبعها إطلاق رصاص من كل جانب على من حاول الفرار من الانفجار وأشعلوا النيران في سبع سيارات.
وطبقاً لما نشرته وكالة الـ"بي بي سي" أنه حدث الهجوم أثناء صلاة الجمعة ويقول مصابون إن عدداً كبيراً من المسلحين المقنعين كانوا يرتدون ملابس عسكرية عندما فتحوا النيران على المصلين. وقد صرح محمد علاء الدين ماضي أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية بمصر والعالم الإسلامي ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، "أن هذا التفجير لا يعتبر الأول من نوعه، وأنه تم من قبل استهداف أحد مساجد الصوفية بالشيخ زويد".
بدأت المشكلة عندما قرر كل منا أنه على حق وصواب والآخرين في ضلال، وعندما قررنا أن نقف مكتوفي الأيدي ونقوم بدور المتفرجين بكل الحوادث التي مرت على البلد طالما أنها لا تنال منا شخصياً، ففقد كل منا جزءاً من إنسانيته وهو يقف فقط بموقف المشاهد، أو كما قال مارتن لوثر كينغ "أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك الأخلاقية العظيمة"، ولكننا قررنا أن نقف على الحياد؛ لنعيش أسوأ أوقاتنا في الجحيم، ولكنه جحيم دنيوي".
ويتزامن هذا الحادث مع ذكرى محمد محمود المريرة التي نحملها بداخلنا، يقول جيفارا: "الشمس لا تكسو غير الواقفين على أرجلهم، تهبهم الضوء وتعدهم بالمطر وتترك العتمة للقابعين فى الحفر" وعندما سحرتنا روح الأنبياء، فبشّرنا مثلهم بأديان لم يؤمن بها أحد، بشّرنا بالثورة التي لم يتحمل أوجاعها أحد، بَشرنا مثلهم ورفُضِنا مثلهم، ولم يكن لدينا من القوة لتحمل البقاء ببطن الحوت كيونس، ولا من الصبر لتحمل ألم الأوجاع كأيوب، ولا من الرؤى لتحمل عبء السجن كيوسف، ولينتهي الأمر بنا مرفوضين ومنفيين كأبي ذر الغفاري، لنموت فى غير أوطاننا حتى وإن كانت أجسادنا الدنيوية ما زالت عالقة به، مُتعَبين نَحن، حَتى أخمص الرُوح، مُرهَقين وقُلوبنا تَقطر حُزناً، تملأ دروب السائرين طويلاً ألماً، ألم النفوس عند الهائمين أملاً، هذا الأمل اللعين في نهوض هذا الوطن من رقدته، وألم الخذلان عند الثقة، وألم الانكسار عند اليقين، وألم تشبثنا بالأشياء وفراقها، ألم الغربة فى حضن الأحباب، وألم الاشتياق حين يصبح لا مفر ولا فرق بين الغربة والاغتراب، ألم الأصدقاء الذين ماتوا بجانبنا، ألم فقدانهم في هذا التيه، وما زلنا يا صديقى نمضي على درب الثورة آملين في سقوط تشاوشيسكو جديد، آملين في حلم أخضر هو كل ما نمتلكه في مواجهة الأسلحة والرشاشات والقمع، وبعض من الكلمات نقاتل بها المدفعية الثقيلة.
وحينما قرر نجيب محفوظ أن يختتم أكثر أعماله عنفاً ودموية، بإحدى أكثر عباراته رقّة ونعومة وإشراقاً، فقد اختار أن تحمل السطور الأخيرة لـ"ملحمة الحرافيش" عبارة: "لا تجزع، فقد ينفتح الباب ذات يوم تحيّة لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة". نعم يا صديقي لا تجزع، فقد ينفتح الباب ذات يوم تحيّة لمن يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة، ولكنه أتعبني الانتظار، أنهكني هذا المجهول، أصبحت أرواحنا عالقة، لا تقدر على الطيران، ولا تستطيع المضي قدماً فى وسط تلك العتمة السرمدية، فى اللحظات التي تلتبس علينا فلا ندري في أي اتجاه نسير وبأي ضوء نلتحف، لا ندري أغسقاً هى أم شفقاً، حيث لحظات الريبة والشك تملأ الأفق، نأمل في وطن يستطيع كل منا أن يتقبل الآخر فيه دون أي رغبة في تغييره، عندما نتعلم صيغة لقبولنا للآخر وللتعايش السلمي فيما بيننا، عندما نقرر أن نبدأ في بناء هذا الوطن. حينها فقط قد نجد وطناً لنعيش فيه.
طوبى للشهداء، طوبى لرفاق الدرب الذين أضناهم الطريق، طوبى للمعتقلين الذين نعرفهم وقبلهم من لا نعرفهم، المجد كل المجد لمن استطاع أن لا يقف على الحياد في المعارك الأخلاقية الكبرى.
اسمعوا واستمتعوا بأغنية حمزة نمرة "احلم معايا"
احلم معايا يا صديق… تطوى الخطى أرض الطريق
يهمنى حلمي البريء مهما يكون
يفضل بروحه جمبنا، مهما يطول بينا الطريق
لو حتى توهنا يا صديق، يرجع لقانا يضمنا
على حلمنا، بس احنا نحلم
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.