وإني لأفكر ملياً: ماذا لو سمح لأحدنا بأحد الخيارين؛ إما استراق النظر فترةً زمنيةً معينةً من المستقبل، بحيث يطّلع على بعض أحداثه المرتبطة بتلك المرحلة دون أن يملك خيار تغييره في أوانه، وإما العودة لمرحلة ما من الماضي، مع إمكانية تغيير حدث واحد فحسب.. ما الذي سيختاره؟
عن نفسي أقول: ما كنت لأختار أياً من كليهما؛ فالعبور إلى المستقبل دون القدرة على التأثير، يعني أن تكون شاهد عيان -طوال الفترة الفاصلة ما بين حاضرك وتلك المرحلة المستقبلية- على ألم مضاعف.
قد يستغرب أحدكم قولي هذا، غير أني سأبدد استغرابه بالآتي:
الانتظار -بحد ذاته من أنواع الألم- سواءً انتظرت سعادةً أم حزناً، فانتظار السعادة يجعلك تتقمص دور السعيد ظاهراً، في حين قد يكون داخلك حزيناً؛ وعليه سيختلّ ميزانك الروحي، فتجد نفسك مشتتةً ما بين سعادة تعيشها في انتظار، وحزن كنت قد تصالحت وإياه قناعةً بالحال ومقتضاها، لتجد نفسك وقد ثرت عليه رفضاً حين انفتاح منك على خطى السعادة التي تنتظرها.
وانتظار الحزن حزن أعظم، فلو كنت سعيداً لأفسد عليك لحظات سعادتك؛ لأنك تدري أنها إلى انقضاء، فالفصل للخواتيم لا للبدايات، وإن كنت حزيناً، فتلكم مأساة لا حدود لها؛ لأنك ستفقد الأمل الذي تحيا عليه بانفراج الحال.
والعودة للماضي، مع قدرة التغيير في حدث واحد، تفتح عليك -من أوسع الأبواب- مدخلاً لمتاهة لا قرار لها من الاحتمالات.
ذلك التغيير كالعبث بشريط للحمض النووي لكائن ما، فاستبدال مكون بآخر قد يقود لفواجع لا حسبان لها، فأنت كمن يمشي معصوب العينين على شعرة تفصل بين جبلين شاهقي الارتفاع، وأدنى خطأ منك يعني السقوط، ولك أن تتخيل مقدار الشد العصبي الذي ترزح تحت وطأته.
وعليه، فالقناعة بما سلف وبما سيأتي، تضمن لك -بوازع الإيمان باليقين- أن تحيا تحت سقف مشيئة الله النافذة على الأكوان جميعاً، دون أن تهمل أنك أنت الراسم لدربك بخطاك باختيارك لا فرضاً عليك، فقد هُديت النجدين فشئت تحت سقف مشيئة الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.