رحل داعش وعادت صديقتي إلى المدرسة

وما أشبه هؤلاء بتعاملهم مع المرأة إلا بقريش بثوب الإسلام، مع أنني أحترم المرأة التي ارتدت ما يعرف بالنقاب عن قناعة منها، فهذه حريتها وحقها الشخصي في الحياة، ولا أحد يمنعها، ولا ينبغي لأحدٍ أن يعيب عليها كما للأخريات من حقهن أن يكشفن عن وجوههن، وللأخريات حق أيضاً أن يخرجن بما يحلو لهن، على ألا يتعارض مع عادات أهل البلد الصحيحة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/24 الساعة 05:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/24 الساعة 05:27 بتوقيت غرينتش

في كل صباح كنْتُ أخرج إلى الجامعة وقبلها إلى المدرسة، وكنْتُ أرى بنات الحيّ يحملن الحقائب على ظهورهنّ متوجهات إلى المدرسة؛ ليغرفن من المعرفة والعلم، وقبلهما الأدب والتربية، ومضت على ذلك أعوام كثيرة، وكنت قبلها طالباً في مدرسة مختلطة، وكانت الأمور تسير بكل براءة، لم نكن قد تلوثنا بما سمعناه من الكبار فيما بعد، ولكن مضت الأيام والأشهر والسنوات، وفجأة توقف كل شيء في مدينتي الحبيبة، التي أكتب عنها اليوم وأنا أعيش في مدينة أخرى، أجل توقف كل شيء في لمحة بصر.

عليكم أن تجلسوا في بيوتكم وتنتظروا القدر المحتوم؛ إما الموت أو القتل أو النزوح عن مدينتكم، هنا توقف كل شيء، توقفت الحياة بكل تفاصيلها.

جلست صديقتي العزيزة، أختي الغالية، في المنزل تنتظر بكل حرقة أن تعود إلى مقاعد الدراسة من جديد، أن تحمل الكتاب مرةً أخرى، أن تقرأ، أن تتعلم، أن تغترف من العلم والأدب كثيراً، ولكن للأسف المتطرفون أصلاً منعوا المرأة من أن تستنشق الهواء بشكل صحيح، قاموا بتغطية وجهها وعيونها، فما عادت تبصر شيئاً بجهل وتطرف، مع آلة سلاح أسكتت كل صوت معتدل يدعو للعقلانية والحوار.

وما أشبه هؤلاء بتعاملهم مع المرأة إلا بقريش بثوب الإسلام، مع أنني أحترم المرأة التي ارتدت ما يعرف بالنقاب عن قناعة منها، فهذه حريتها وحقها الشخصي في الحياة، ولا أحد يمنعها، ولا ينبغي لأحدٍ أن يعيب عليها كما للأخريات من حقهن أن يكشفن عن وجوههن، وللأخريات حق أيضاً أن يخرجن بما يحلو لهن، على ألا يتعارض مع عادات أهل البلد الصحيحة.

ولكي لا أبعد كثيراً، أحدثكم صديقتي الغالية فاطمة جلست تنتظر أن يأتي اليوم الذي تعود فيه إلى المدرسة؛ لتمارس حياتها كما كانت قبل أن تسقط مدينتها في يد الجهل والتطرف، ومضت الأيام وهي ترقبُ بعينيها أن يبزغ يومٌ يحمل في طياته البشرى، بشرى تحريرها وعودتها إلى المدرسة، إلى بيتها الثاني الذي تحبه كثيراً، والذي كانت تبكي كثيراً إذا تغيبت يوماً عن مكانها الجميل، وتمضي الأيام وتعيش فاطمة ليالي الحرب وتسمع القصف وأصوات المدافع والصواريخ.

ولكن فاطمة رغم كل ذلك ما زال في ذهنها وقلبها ذلك المكان الجميل الذي تعاقب عليه جميع إخوانها من كبيرهم إلى أن وصلت هي لذلك المكان الجميل، مدرسة الزهراء.

وتستمر الحرب وتعصف بهم الأيام؛ ليحملوا حقائبهم ليلاً فارّين من النيران إلى أماكن أكثر أمناً وطمأنينة، وتمشي على قدميها النحيلتين ثماني ساعات، لا أدري كيف تحملت كل ذلك وهي لم تتجاوز الأحد عشر ربيعاً من عمرها، ولكن الهدف الأعظم والحلم المنشود ما زال عالقاً في عقلها وقلبها ووصلت إلى بر الأمان، لم أعلم ما هو التساؤل الذي سألته في تلك اللحظات، لحظات النجاة والحرية، لكني أجزم أنها سألت متى نعود إلى المدارس؟ متى تفتح المدارس أبوابها فقد طال الغياب؟ نريد أن نرجع من جديد؛ لنجدد العهد مع مدرستنا، أن نبقى حريصين على طلب العلم ما حيينا على هذه الحياة، فشعارنا طلب العلم من المهد إلى اللحد.

وبعد كل ذلك تعود فاطمة إلى بيتها، وترجع إلى المدرسة، وأصبحت تستيقظ كل يوم حاملة حقيبتها ذاهبة إلى المدرسة هناك لتلتقي بصديقاتها، وتبدأ الأحاديث الجميلة عن المدرسة، ويبدأ الخلاف ما بين القرينات في الآراء؛ فأنا أحب ست فلان، والأخرى تحب ستاً غيرها، وتعود الحياة إلى طبيعتها؛ لترجع المدارس مكاناً يعلو بها ضحكات بنات عانين أشد وأوحش تنظيم عرفته البشرية.

عادت الحياة إلى طبيعتها، فكل شيء يخالف حقيقة وفطرة الحياة الصحيحة إلى زوال، عادت فاطمة إلى المدرسة، وعاد كل بنات الموصل إلى المدرسة، وبدأت الحياة تعيد توازنها فكما للرجل حق في التعلم للمرأة مثل ذلك وأكثر، ولها حق ممارسة الحياة بكل جوانبها.

ولتفقه المجتمعات أن الحياة الصحيحة بتوازن الرجل والمرأة في المجتمع بأن يوضع كلٌ منهما في مكانه المناسب؛ لتقدم المرأة كل شيء لا يستطيع أن يقدمه الرجل، وليقدم الرجل كل شيء لا تستطيع أن تقدمه المرأة، ولنعلم أن المرأة نصف المجتمع، وهي تلد النصف الثاني .

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد