ألمانيا والوزير الذي لا يشتغل

وجراء ذلك قد يُمنّى حزب ميركل بالخسارة الساحقة، ربما، في الانتخابات القادمة، نتيجة دعمه للاجئين والعمل على استقبال المزيد منهم، لكن الحزب لن يتنازل عن هذه المبادئ، ولن يَصدم يوماً مؤيديه من الألمان، فالمنافَسة سياسية بامتياز، وبعيدة كل البعد عن شهوة السلطة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/24 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/24 الساعة 08:10 بتوقيت غرينتش

قد يخسر حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، الذي ترأسه حالياً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الانتخابات المقبلة في سبيل قِيَم العدالة والإنسانية التي يؤمن بها ويدافع عنها، وإحدى هذه القيم أو المبادئ هي أن الحزب يؤمن بلمّ شمل عائلات اللاجئين، ويَعتبر ذلك حقاً طبيعياً يجب النزول عنده رغم أي ظرف.

ولذلك نحن لا نستغرب تصرفات ميركل الرحيمة تجاه اللاجئين، ونشعر بالصدمة عندما حثّت الشعب الألماني يوماً على أن يفتخر بنفسه وبلاده، حين خاطبته قائلة: سنخبر أطفالنا على أن لاجئي سوريا لجأوا لبلادنا بينما كانت مكة أقرب إليهم!

الآن، الأحزاب الألمانية اليمينية المتطرفة تحارب ميركل وحزبها بقوة، فهي تروج إلى دعاية ضخمة ضد ميركل، بحيث يعتبرونها وحزبها جلبت اللاجئين العرب والمسلمين الذين سيدمرون ألمانيا، وسينشرون الإسلام والتطرف والحجاب والخمار والاغتصاب إلى البلد، وتحاول دائماً إلصاق جرائم القتل والاغتصاب التي تحدث في ألمانيا باللاجئين.

وجراء ذلك قد يُمنّى حزب ميركل بالخسارة الساحقة، ربما، في الانتخابات القادمة، نتيجة دعمه للاجئين والعمل على استقبال المزيد منهم، لكن الحزب لن يتنازل عن هذه المبادئ، ولن يَصدم يوماً مؤيديه من الألمان، فالمنافَسة سياسية بامتياز، وبعيدة كل البعد عن شهوة السلطة.

علاوة على ذلك، خصصت أنجيلا ميركل 20 مليار دولار من موازنة 2017 لدعم اللاجئين، الغريب أنه ورغم ضخامة هذا المبلغ، وخاصة أنه موجّه للاجئين، فإن ذلك لم يُحدِث أي ضجة أو مقاومة من نوعٍ ما من قِبل الأحزاب المعارضة؛ ولا حتى من قِبل الشعب الألماني المسؤول الأول والأخير عن توفير هذا المبلغ من خلال الضرائب التي يتحملها.

ورغم ارتفاع معدل البطالة في ألمانيا من 3.6% في سبتمبر/أيلول 2017 إلى 5.6% في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس السنة، ورغم انخفاض القوة الشرائية لدى المستهلك الألماني، والسبب البسيط هو أن هناك ثقة كبيرة بين الشعب وصانعي القرار، تكاد تكون ثقة عمياء، فالشعب يَسند ظهره إلى مجتمع مدني معبأ وقوي يراقب الأحزاب والحكومة وصانعي القرار، ويدرك الشعب الألماني المنهمك بالعمل أن دولته هي دولة مؤسساتية لا تتبع حزباً بعينه ولا تؤمن بميثولوجيا تمجيد الفرد.

وهذا هو الدليل على أن المنافسة حامية الوطيس التي بين ميركل وأحزاب المعارضة هي منافسة شريفة، بعيدة كل البعد عن المزايدات والاتهامات التي تطال الذمة المالية مثلاً، أو الفساد، أو الخيانة والتبعية والأجندات الخارجية، وهي أمور بمقتل لدى البلد فيما لو ظهرت على السطح في تراشقات سياسية بين الحكام والمعارضة والشعب، وتقوض أول ما تقوض ثقة الشعب بقرارات الحكومة مهما كانت، كما يحصل في غير بلاد عربية مثلاً.

لكن الحقيقة أن المليارات التي خصصتها ميركل للاجئين ستعود مرة أخرى إلى الاقتصاد الألماني مصحوبة بكل القيم المضافة التي ستترتب على إنفاق هذا المبلغ، فاللاجئ سيصرف ما يتلقاه من دعم على المأكل والملبس والأثاث والعلاج والنثريات والمواصلات وخدمات النت والهاتف، أو أنه سيستفيد من تلك الخدمات التي تقدم له، والتي خضعت لعمليات إنتاجية قبل أن تصل إليه، الأمر كله، سيزيد من سرعة دحرجة دولاب الاقتصاد الألماني بدخول اللاجئين في سوق المبادلات التجارية بقوة، مما سيرفع معدل الإنتاجية الحدية ضمن عمليات الإنتاج لكل القطاعات المذكورة وغيرها، خاصة في زمن الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم منذ أزمة الرهن العقاري في 2007 ومن ضمنه الاقتصاد الألماني.

في اللحظة، مؤكد، يحضرنا أنا وأنتم أعزائي القراء هذا السؤال: ما هي المبادئ التي يؤمن بها مسؤولونا وأحزابنا وحكامنا العرب؟

والله، تكاد تكون الأمور بعيدة كل البعد عن القيم والمبادئ، هي حال من العبثية والاستهتار بمكان لا يعبر عنها سوى إحدى عبارتين شائعتين في عالمنا العربي، إما عبارة: سارحة والرب راعيها، أو عبارة: "ثور الله ببرسيمه"، وإلا لما وصل حالنا اليوم إلى ما وصل إليه من الفساد والفقر والتخلف والاستبداد والهوان والتشتت والتناحر والطائفية والجهوية والعنصرية، بالإضافة إلى الانعدام التام للثقة بين الشعب والحكومة، وبين الشعب والقائد، لا يوجد شيء اسمه ثقة الشعب بأي قرار رسمي مهما كان.

قد يُفسر ما نمر به اليوم في عالمنا العربي من سوء للأحوال، هذا المَثَل الشعبي العربي الذي يحوي زُبدة خبرة الأجيال التي خامرت أساليب الأنظمة العربية في الحكم؛ حيث يقول: وزير لا يشتغل، وهو مثل يُستخدم لوصف حالتين مختلفتين؛ الأولى عند تشبيه العاطل عن العمل بالوزير الذي لا يقوم بأي عمل في وزارته كما يجزم الشعب، والثانية هي حين ينتقد الناس الحكومة عندما تلجأ دائماً لجيب المواطن في سد عجز الموازنات مثلاً، كما هو الحال في سائر بلادنا العربية، فيقولون: وزير لا يشتغل، أي أن الحكومة لا تُتْعب نفسها بالتفكير والبحث عن حلول تُزيل الحِمل عن كاهل المواطن وجيبه المهترئ، وللأسف هذا هو شكل من أشكال أبسط مصائبنا العربية اليوم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد