تفخيخ المستقبل في اليمن

أطفال اليمن أصبحوا شهوداً أبرياء لمرحلة سوداوية حرمتهم من الذهاب إلى المدرسة، ورمتهم بين أنياب الكوليرا وسوء التغذية، والأسوأ أجبرتهم على أن يكونوا شهود عيان قبل انتهاء سن طفولتهم على جنون الطيران، وحقد القناص وهو يغتال صديقه وجاره بوحشية لا يراها حتى في أفلام هوليوود الأميركية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/24 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/24 الساعة 02:59 بتوقيت غرينتش

يأتي اليوم العالمي للطفل في اليمن مفخخاً بكل شيء قابل للانفجاز، ومشحوناً بكل ما يمكن أن يؤسس لمستقبل أكثر سوداوية وعنفاً وتطرفاً.

فأطفال اليمن اليوم أكثر فئات المجتمع تضرراً من القتال الدائر في أغلب المحافظات، والأكثر واستغلالاً؛ ليكونوا وقوداً سهلاً لاستمرار نار هذه الحرب مشتعلة؛ لِتَلْتَهِم كل ما تبقّى من شيء سعيد جميل في اليمن السعيد.

إذا كان المستقبل يصنعه جيل اليوم الذي يراعي فيه النشأة السليمة وتوفير بيئة مناسبة، فأعتقد جازماً أن الأطراف المتحاربة تعمل بصورة قصدية أو غير قصدية على تفخيخ هذا المستقبل، والقضاء عليه من خلال إجبار الأطفال على ترك المدارس والمراكز التعليمية، والذهاب بهم إلى جبهات القتال جبراً، أو استغلال الوضع الاقتصادي، أو النزوح، أو تدمير مدرسته التي يذهب إليها، أو نشر ثقافة تمجد القتال ، أو بتسميم البيئة الآمنة للعب في الحارة أو الشارع، أو حتى البيت، بالقصف العشوائي والألغام العبثية المزروعة في كل زوايا الطرق العامة.

حيث أصبح الموت يتربص بالطفل اليمني على الأرض، أو يهاجمه بغتة من السماء بطيران التحالف، أو الطيران بلا طيار الأميركي، إضافة إلى ذلك للانتقام ممن اعتقل أبوه أو اغتِيل أو فجّر بيته، فأحدث ذلك تراكماً نفسياً حاقداً على مَن حرموه من دفء أبيه.

أطفال اليمن أصبحوا شهوداً أبرياء لمرحلة سوداوية حرمتهم من الذهاب إلى المدرسة، ورمتهم بين أنياب الكوليرا وسوء التغذية، والأسوأ أجبرتهم على أن يكونوا شهود عيان قبل انتهاء سن طفولتهم على جنون الطيران، وحقد القناص وهو يغتال صديقه وجاره بوحشية لا يراها حتى في أفلام هوليوود الأميركية.

في نقطة فارقة أصبح هناك استغلال جنسي مخيف لهؤلاء الأطفال، خاصة الذين ذهبوا إلى الجبهات القتالية، هناك ملف متداول على نطاق ضيق، ويعرف عنه القليل -وربما لا يتعدى أصابع اليد- عن ملف موثق بشهادات حسب ما وصلني، لكنني لم أستطع الحصول على هذا الملف، رغم عدة محاولات، بسبب ثقافة العيب التي تحرم الضحية من القصاص، منعت فتح هذا الملف، بل وسحبه إلى جهات عليا لإقفاله.

أطفال اليمن كانوا هم العنوان الأكبر للحرب الأخلاقية في اليمن، فبُثينة الريمي في العاصمة صنعاء، وأخواتها البالغ عددهم أكثر من 100 طفل خلال عام في عدة محافظات، كانوا شاهداً حياً على سقوط التحالف العربي أخلاقياً في اليمن، وحفصة في تعز، و33 آخرون قتلوا قنصاً، وآخرون قتلوا بالألغام في عدة محافظات أيضاً كانوا عنواناً آخر لسقوط ميليشيات الحوثي وصالح أخلاقياً، ونورا العولقي في يكلا رداع، والطفل باسل عنوان السقوط الأميركي الأخلاقي في اليمن، وأسامة وناصر اللذان اعتقلا في شبوة، كانا عنواناً آخر لسقوط النخب الأمنية المدعومة إماراتياً في الجنوب.

تتحدث الأرقام الدولية عن حالة كارثية، وتدقّ ناقوس الخطر بقوة لمن كان له قلب، وما زال فيه ذرة من إنسانية أو وطنية؛ لتجنيب ما تبقى من طفولة ويلات هذه الحرب.

1600 مدرسة خرجت عن العمل، ومليون طفل حرموا من التعليم، وأكثر من 15 ألفاً ذهبوا إلى الجبهات، وأكثر من 2000 قتيل، إضافة إلى الجرحى ومئات الآلاف من المصابين، بدءاً بالكوليرا، وربما كل أطفال اليمن حُرموا الهامش الذي كانوا يمارسون طفولتهم فيه، في ظل الوضع الاقتصادي السيئ، والنزوح الإجباري، وكل هذه الأرقام يقابلها غياب وعي حكومي بهذه المخاطر، ونقص حاد للخدمات، التي يمكن أن توفر العناية الصحية أو النفسية لهؤلاء الأطفال.

ثم ننتظر بعد كل هذه الجرائم مستقبلاً مشرقاً خالياً من التطرف والحقد والانتقام؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد