الروهينغا والجيل الضائع في رحلة اللجوء

إلا أن عدسات الكاميرات التي التقطت الصور للروهينغا وهم جوعى يتصارعون للفوز بكيس من الأرز ورغيف، لم تصور لنا أحداً جاء إلى مخيماتهم لتجهيز مدرسة متواضعة أو كُتّاباً، لتعليم هؤلاء أن في الحياة متسعاً، وتزرع في نفوس أطفالهم أن ثمة أمة هنا تتألم لألمكم، كما لم نرَ جامعة إسلامية فتحت أبوابها لشباب الروهينغا لدراسة فنون السياسة والقانون سعياً وراء حقوقهم المسلوبة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/23 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/23 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش

كأنه كان يراد لهم أن تكون هنا نهاية رحلتهم، خلف الخيام البلاستيكية المتراصة على حدود بنغلاديش، آلاف العائلات تكتظ بهم الخيام، ومئات منهم كل شخص فيهم هو من تبقّى من عائلته.

رحلة قاسية خاضها أكثر من نصف مليون روهينغي، بعد أحداث أغسطس/آب الماضي فقط، رحلة ليس لها من طريق للعودة، دفعهم إليها الهروب من شبح الموت، الذي يركض خلفهم منذ عشرات السنين، ولا يزالون يسمعون صوته في الجهة المقابلة التي منها جاءوا "إقليم أراكان في ميانمار.

عند بدء الهجمات الأخيرة في أغسطس/آب 2017، للجيش البورمي على قرى المسلمين الروهينغا في إقليم أراكان، خاض الروهينغا وغيرهم رحلة الهروب إلى الغابات، وعبور نهر "ناف"، الذي يفصل ما بين أراكان ودولة بنغلاديش المجاورة، وهو نهر يتسع مسافة 2 كيلومتر في بعض المناطق، ويضيق إلى مائتي متر في مناطق أخرى.

رحلة الهروب تكون مروراً بالغابات وعبوراً للنهر مشياً على الأقدام، تغطي خلالها مياه النهر أقدامهم الحافية، يحمل هؤلاء الضعفاء بعضهم بعضاً، وأمتعتهم مجرد "سُرة"، وكل خطوة يخطونها في سكة الهروب هي بُعد عن الوطن دهراً، تاركين من ورائهم وطناً لم يتحمّلهم ولم يسمح لهم أن يحملوا اسمه، أقدامهم تتثاقل ضعفاً ووهناً، وكذلك ألماً على فراق أرض الأجداد، فالوطن في نظرهم ما عرفوه رغم وجعه، لكن الموت لم يسمح لهم بالبقاء.

الفرار من الموت بالقتل إلى الموت بالجوع والتيه، والبحث عن مستقر، فأن يتعرض الروهينغي للقتل ليس مشكلة، فدمه رخيص، ولا صوت له مسموع، وأن تغتصب امرأته لا مشكلة أيضاً، فليس هنالك منظمات للمرأة، طفولة موؤودة، وإعلام قد يتذكرك حين تقتل بالرصاص، وينساك أحياناً كثيرة عندما تُقتَل مشرداً أو جائعاً أو لاجئاً.

ومن يتساءل عن العودة، يسمع في داخله الرد مجيباً نفسه بنفسه، أي عودة! أوَقد عاد من هُجّروا قبلنا! فالروهينغا هم العرقية المسلمة التي تشكل السكان الأصليين لمملكة أراكان المسلمة، ويتعرضون لمذابح وتهجير قسري منذ عام 1942، على يد البوذيين وقوات ميانمار، ما اضطهرهم للفرار بمئات الآلاف إلى الدول المجاورة بحثاً عن مجرد العيش.

لكن خلال رحلة فرار الروهينغا، ثمة أشياء ثمينة تساقطت، منها روح الإنسان، ومعاني الحياة في نفوس أجيال كاملة، وسقطت معها روح الانتماء إلى أمة لم يرَ منها إلا عشرات الكاميرات تلتقط له الصور وهو يمد يده سائلاً عن كسرة خبز تسد جوع أطفاله.

إلا أن عدسات الكاميرات التي التقطت الصور للروهينغا وهم جوعى يتصارعون للفوز بكيس من الأرز ورغيف، لم تصور لنا أحداً جاء إلى مخيماتهم لتجهيز مدرسة متواضعة أو كُتّاباً، لتعليم هؤلاء أن في الحياة متسعاً، وتزرع في نفوس أطفالهم أن ثمة أمة هنا تتألم لألمكم، كما لم نرَ جامعة إسلامية فتحت أبوابها لشباب الروهينغا لدراسة فنون السياسة والقانون سعياً وراء حقوقهم المسلوبة.

دافع الروهينغا إلى الفرار من أراكان قد يكون معروفاً وهو لحساب صراع المصالح الذي تعد أرضهم مسرحاً له، فهناك عدة أطراف تتنافس في ميانمار، ولا سيما أراكان، منها أطراف داخلية وأخرى خارجية، والأطراف الداخلية منها الطرف الأول يمثله الرهبان البوذيون، وهم لديهم ما يسمى بالمشروع البوذي، وهو يتمثل في تحويل المنطقة "من أفغانستان إلى إندونيسيا، ومن اليابان إلى سريلانكا"، إلى البوذية، أو ما يسمى "أرض بوذا" Buddhization.

أما الطرف الثاني فيتمثل في الأغلبية البورمية "البورمان"، ومشروعهم يعمل على "برمنة" الدولة (بورما للبورمان)، وهذا يفسر دخول الدولة المركزية بسيطرتهم عليها في مواجهات مسلحة مع العديد من العرقيات البوذية والمسيحية، فهم ليسوا "بورمان".

الطرف الثالث وهو مشروع العسكر لإبقاء سيطرتهم على مقاليد الأمور، حتى وإن كان تحت غطاء أن البلاد انتقلت إلى مرحلة حكم ديمقراطي، لكنهم فعلياً يمتلكون زمام الأمور فبموجب دستور 2008، فالعسكر لهم حوالي 30% من مقاعد البرلمان بدون انتخابات، إلى جانب وزارات سيادية.

الطرف الرابع وهم "الراخين" البوذيون المحليون في أراكان، وهؤلاء قسمان؛ أحدهما استقلالي يعمل على تأسيس "مملكة أراكان البوذية"، أما القسم الثاني فهم داعمون للعسكر، وهدفهم الاستفادة من ثروات المنطقة، وبسط نفوذهم عليها.

الأطراف الخارجية أبرزها الصين والهند، اللتان لهما مصالح اقتصادية ومشاريع في المنطقة، إلى جانب قطع الطريق على النفوذ الأميركي بالاشتراك مع الروس، فالصين لديها مشروع "الغاز الذهبي" وخطوط أنابيب تمتد مئات الكيلومترات في ميانمار، كما أنها تدعم بعض العرقيات إلى جانب مشروعات تعدين في قرى المسلمين في منغدو، أما الهند فلها مشروع ميناء "كلادان، بينما يبقى الروهينغا ضحية لمصالح الجميع.

اللافت في الأمر أنه وإن كان صراع المصالح يلعب الدور الأبرز في مأساة الروهينغا وتهجيرهم قسراً من أراكان، فإن أجيالاً كاملة من أبناء الروهينغا تضيع على ممر التهجير، فلا هي تجيد العودة للوطن المسلوب، ولا تجد وطناً جديداً، فيما كان يزعم جيش ميانمار أن السبب وراء حملته العسكرية الأخيرة على أراكان هو -بحسب وصفه- متمردون مسلمون هاجموا نقاطاً للشرطة، ركوباً لموجة الإرهاب "الإسلامي"، وهي بلا شك بضاعة رائجة في عالمنا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد