منذ 2011 تغيرت في تونس أشياء كثيرة: تشعر مثلا أن مخاض الثورة لا يزال مستمرا في القلوب رغم أن لا شيء يشير إلى ذلك، وأن الناس يعيشون فترة تشكيك في كل شيء.
رغم الظروف والمشاكل التي يمر بها التونسي في الأعوام الأخيرة إلا أنه لم يفقد احترامه وتعامله الراقي مع المرأة.
كنت أسير مع زميلي الصحافي اليمني في شارع الحبيب بورقيبة بتونس العاصمة ونحن نتحدث عن أزمة اليمن وصاروخ الرياض وحظر الجو في بلاده الذي سيؤخر عودته وعودة زملائه إلى اليمن لأجل غير مسمى، عندما مررنا بمقهى يجلس أمامه شبان تونسيون، وانتبهنا فجأة أن أحد الشبان ينهض من مكانه ليفسح لنا المجال للمرور بشكل مريح. وعلق زميلي اليمني أن الأمر كان سيكون مختلفا في بلاد أخرى ربما، وأن الرجل كان على الأرجح سيستغل ضيق الممر ليلتصق ويتحرش بي بدل النهوض والابتعاد إلى الخلف بغية ترك المجال حرا للمرور دون مضايقات.
قبلها بأيام كنا قد ذهبنا لمشاهدة فيلم تونسي في إطار مهرجان قرطاج السينمائي، ووجدنا صفا من البشر طوله خمسين مترا وعرضه 7 أمتار على الأقل، يمر من بين مبنيين إلى أن يصل إلى مدخل السينما. اختلط الحابل بالنابل وتدافع البشر ملتصقين ببعضهم البعض، وهو ما جعل أصدقاءنا العرب الذين يشاركون معنا في دورة صحافية بتونس، يطلبون منا التخلي عن فكرة مشاهدة الفيلم واستبدالها بشرب قهوة أو التجول في شوارع تونس، خشية أن يؤدي التزاحم بين البشر إلى تعرضنا، نحن السيدات، إلى التحرش والمضايقة، لكننا طمأناهم إلى أن شيئا من ذلك لن يحدث.
فكرت في منتصف الصف في هذا الرهان الصعب: هل حقا لن يحدث شيء؟ هل يكسب التونسي الرهان رغم ظروفه الصعبة وتراجع مستوى حياته في كل مجالاتها؟ كنت أتقدم وقلبي يدق مع كل خطوة. الصف طويل والمسافة للوصول إلى مدخل السينما تستغرق ساعة أو أقل بقليل، والبشر ملتصقون ومتداخلون لا تكاد تجد صديقك أو رفيقك بينهم. هل يخذلنا التونسي أمام وعودنا لأصدقائنا العرب وأمام ذاكرتنا وتصورنا عنه.
منذ 2011 تغيرت في تونس أشياء كثيرة: تشعر مثلا أن مخاض الثورة لا يزال مستمرا في القلوب رغم أن لا شيء يشير إلى ذلك، وأن الناس يعيشون فترة تشكيك في كل شيء. ثقة التونسي بالسياسة في أدنى درجاتها، وثقته بنفسه وبالآخر ليست أفضل حالا، تشعر أيضا أنه مرهق ومستنزف، ومهموم، لقد فقد التونسي الكثير من مرحه واختفت الابتسامة من على وجهه، إلا أنه رغم ذلك لم يفقد احترامه وتقديره وتعامله الراقي مع المرأة.
وصلنا إلى قاعة السينما دون أدنى ضرر على الإطلاق، على العكس من ذلك، أخبرنا زملاءنا الذين فقدناهم في منتصف الصف أنهم تعرفوا على شبان لطفاء وبنوا صداقات جديدة في الزحمة.
لكن أجمل ما لفت انتباهنا وأبهجنا، ومنحنا دفعة أمل في الحياة وفي المستقبل، هو أن التونسي لا يزال يشتري الياسمين لامرأته في الشارع.
– تم نشر هذه التدوينة في موقع صحيفة العرب
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.