هل نحنُ في حاجةٍ لتعدّد الزوجات؟

لهذا فقد وجدتُني مضطراً إلى البحث في الإحصاءات الديموغرافية الصادرة عن البنك الدولي، وذلك بغية الوقوف على حقيقة المسألة، وقد حطّت بي رحالي في نهاية المطاف إلى وجود توازُن معجز في أعداد الذكور والإناث في مختلف دول العالم، الأمر الذي يشهدُ على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/22 الساعة 06:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/22 الساعة 06:10 بتوقيت غرينتش

قام أحدُهم بنشر إحصائية منسوبة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، حيث زعمت تلك الإحصائية أن عدد العانسات في مصر 11 مليون فتاة في مقابل 2.5 مليون شاب.

وقد كانت تلك فرصةً ذهبيةً تلقَّفَهَا المعطوبون بأمراض الذكورة المستعصية بهدف الترويج لفكرة التعدد (الاضطراري)! الذي لا يرون سبيلاً غيره لإنقاذ الفتيات من العنوسة بسبب كثرة أعداد النساء عن الرجال!

وكأنّ من يعدّد -في أيامنا هذه- يذهبُ ببراءةٍ ومروءةٍ للفتاة التي تأخرت سنُّ زواجُها بهدف إعفافها! وليس ممن يلهثون خلف فتاة إعلانات تصغره -ربما- بعقود بعد أن تحسنت أحوالُه المادية بخلاف حاله لدى زواجه الأول.

الإشكال الحقيقي، أن فكرة (طغيان أعداد النساء)، هي ثقافةٌ توارثها فقهاؤنا دون علمٍ بأصول وقواعد الإحصاء الديموغرافي.

قال القاضي عياض (المولود في 476 هجرية – المتوفى في 544 هجرية): "النساءُ أكثر ولد آدم"، ثم نسج كثيرٌ من فقهائنا على منواله.
فقال ابن تيمية (661 هـ – 728 هـ): "لِأَنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ مِنْ الرِّجَالِ إذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ، وَقَدْ صَحَّ أن لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ زَوْجَتَانِ مِنْ الْإِنْسِيَّات".

وقال الإمامان النووي (631 هـ – 676 هـ) والقرطبي (600 هـ – 671 هـ) قريباً من هذا، رحمهم الله جميعاً.

وما وقعوا في ذلك إلا لأنهم حاولوا الجمع بين النصوص المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي جاء في أحدها: (يا معشر النساء تصدّقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار)، والحديثُ يدخلُ في بابِ الرقائق وفضائلِ الأعمال ويندبُ إلى الصدقة، ولا أدري لماذا تكلَّفَ فقهاؤنا الخوضَ في بابِ الإحصاءاتِ العددية فكأنما قد استنبطوا ذلك من الحديث الشريف؟

لهذا فقد وجدتُني مضطراً إلى البحث في الإحصاءات الديموغرافية الصادرة عن البنك الدولي، وذلك بغية الوقوف على حقيقة المسألة، وقد حطّت بي رحالي في نهاية المطاف إلى وجود توازُن معجز في أعداد الذكور والإناث في مختلف دول العالم، الأمر الذي يشهدُ على عظمة الخالق سبحانه وتعالى.

فأعداد الذكور -عند سنّ المولد- تتفوق على أعداد المواليد من الإناث بنسبة ضئيلة (نسبة الذكور للإناث 1.06 في المتوسط) وذلك في جميع دول العالم، تحسباً للفاقد من الذكور حتى بلوغ سن الزواج؛ إما بسبب الحوادث أو الحروب ونحو ذلك.

ولتصل هذه النسبة عند سن الزواج إلى 1 : 1 تقريباً !
أي: رجل لكل امرأة، فتكون الدعوة لتكوين الأسرة، وإنجاب الأبناء في موقعها ومكانها الصحيح، وليكذّبَ الواقعُ الإحصائي الخيالات الذكورية الخصبة!

فضلاً عن المحاولات القسرية التي اضطر إليها بعضُ الفقهاء ممن أرادوا الجمع بين النصوص فتكلموا في غير فنهم، وصدق مَن قال: من تكلم في غير فنّه، أتى بالعجائب!

الخلاصة: معاذ الله أن أكونَ قد أردتُ من موضوعي هذا أن أمنعَ شرعاً أو أن أُحَرِّمَ حلالاً، فتعددُ الزوجات مباحٌ في شريعةِ الإسلام وإن كان مشروطاً بالعدل، بل ومباحٌ حتى قبل الإسلام؛ لأن من شأنه أن يحل مشكلاتٍ كبرى في كثيرٍ من المجتمعات.

لكنِّي أقول -مخلصاً- لمن أطنبوا المبالغة في مطالبة الرجال بالتعدد حلاً لمشكلة العنوسة التي ضربتْ عالمَنا العربيَّ؛ نظراً لأسبابٍ كثيرةٍ ليسَ هذا موضعُ الكلام فيها، فأقول لهم:
لو حرصَ القادرون من رجالِ أمّتنا على تكوين صناديق تزويج الشباب والفتيات، وعلى نشر ثقافة الزواج، وعلى دعم العمل الأهلي والمجتمعي المعني بتثقيف الراغبين في الزواج فضلاً المتزوجين حديثاً، لكان ذلك أنفع لهم ولهنّ.. ولنا جميعاً!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد