في بداية الدراما يشغلني كيف سأدخل مع شركائي التلاميذ إلى عالم قصتنا المتخيل؟ كيف سنتعرف على المكان والزمان؟ ومن هي الشخصيات يا تُرى التي تشغل هذا الحيز الزماني والمكاني؟ وما الذي يحدث في هذا الحيز؟ ومن خلال ما حدث حتى الآن، تعرف تلاميذي بشكل غامض على المكان، ومررت لهم بشكل غامض أيضاً أنه ربما يكون ملكاً لأشخاص، وأن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يفعلوا شيئاً لنا إذا عبثنا بأشيائهم.
لكنني بالإضافة لكشف هذه المعلومات المبدئية والغامضة والمثيرة لمزيد من التساؤل والفضول فعلت شيئاً آخر، لقد أضفت ما نسميه "التوتّر".
والتّوتر باختصار هو العاقبة التي تُصعّب علينا فعل ما نريده، أو تغرينا وتضغط علينا لفعل ما لا نريده.
يريد الأطفال أن يعبثوا بأشياء ربما يملكها مجهولون، والتوتر هو أننا لا نعرف كيف سيكون رد فعلهم، فهل نحن مستعدون لتحمل تكلفة العبث بهذه الأشياء؟ ولماذا؟ وكيف سنتعامل مع النتائج؟
إن الخيال -وبالتبعية الدراما التعلّمية- هو مساحة حرة للتجريب الآمن للمشاعر والأفكار والأفعال، ولكن حتى يكون هذا التجريب واللعب تعلميين لا بد أن يقترنا بعواقبهما.
لن أمنع الأطفال أن يعبثوا بمقتنيات المجهولين التي في وسط الصف، إنه خيارهم ولهم حرية تجريبه، ولكن يجب أن يواجهوا أيضاً ما يترتب على هذا التجريب ويقوموا بتقييم اختياراتهم وفق معطيات يعرفونها وفي سياق معين حتى يحدث التعلم.
الآن أريد أن أسمع ما يدور برؤوسهم المتوقّدة، أسأل: "ما الذي نراه الآن؟"، في العادة يقفز بعض التلاميذ للاستنتاج مباشرة، سيقول بعضهم: "إنه معسكر في الغابة"، "إنهم مجموعة من اللصوص"، "قبيلة هندية"…إلخ، لكنني آخذ الأطفال خطوة للوراء عندما يقفزون للاستنتاجات وأعيد السؤال موضحاً الفرق بين إجاباتهم وما أسأل عنه: "إنني لا أسأل عن تفسيركم لما ترونه، لا أسألكم عن معنى ما ترونه، ما يدل عليه ما ترونه. دعوني أوضح لكم"، وأهمس في أذن أحد التلاميذ أن يذهب ناحية الباب ثم يأتي راكضاً ملوّحاً بيده باتجاهنا، وعندما يفعل ذلك أقول لهم مرة أخرى: "ما الذي ترونه؟"، يردون: "شخص غاضب"، "شرطي"…إلخ، أوقفهم وأطلب منهم "اسألوني ما الذي أراه"، "ما الذي تراه يا أستاذ؟"، "أرى شخصاً أقصر مني في الطول، يركض بسرعة، حواجبه على شكل (V)، يلوح بقبضته في الهواء، يرتدي بنطالاً أزرق… إلخ"، ألتفت إليهم وأسأل: "ما الفرق بين إجابتي وإجاباتكم؟".
عندما لعب مالك معنا الدراما وسألنا نفس السؤال: "ما الذي نراه؟"، فعلنا مثل طلابنا، قفزنا ناحية الاستنتاجات، وكنا نتنافس على أي التخمينات هو الصحيح، أيها الذي يريده مالك.
إن الدراما التعليمية لا تهتم بالإجابات وصحتها، ولكنها تهتم بأن نكون مدركين وعلى وعي بالطريقة التي وصلنا بها إلى هذه الاستنتاجات، آخذين في اعتبارنا أكثر معارفنا أولية وبديهية.
في التدوينة القادمة سنحكي عن التساؤلات وأهميتها في عالم الدراما.. تابعونا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.