لا يمكن لأحد أن ينكر مدى تأثره بالمشاهد التي تظهر على الشاشة أمامه، سواء أكانت إعلانات أم مَشاهد من مسلسل تلفزيوني أو فيلم سينمائي، وليس بإمكان أحد أن يدّعي أن المسلسلات والدراما لم تكن مُعلماً له، وبوصلة لتصرفاته، ومكاناً وجد نفسه ينهل منه دون أن يدرك ربما؛ لذا جاءت أهمية الدراما، كأداة تحاكي الواقع، وتؤثر في الواقع، كأداة تسلط الضوء على ظاهرة، وتساهم بطريقة ما في زيادتها أو تقليصها بالمجتمع.
وفي طرحي هذا، أرغب في تسليط الضوء على الدراما السورية، ليس لأن هذه الحالة التي سأتحدث عنها غير متكررة في الدراما المصرية أو الخليجية أو أي دراما عربية أخرى بالضرورة؛ بل لأن متابعتي عبر سنوات، اقتصرت على الدراما السورية.
أنا كفتاة سورية نشأت في هذا البلد، تأثرت كجميع الفتيات بالدراما السورية، وما تحمله في طياتها من قيم، وما تنطوي عليه شخصياتها وأحداثها من دلالات، ولعل أكثر مشهد أثر في نشأتي، وفي شخصيتي كأنثى في مرحلة الانتقال بين الطفولة والنضج، مشهد الفتاة التي تبكي في سريرها عارية، ينهشها الندم، وترعبها عواقب فعلتها، ويستفزها مظهر رجل مستلقٍ بجوارها بلا مبالاة، يبتسم ابتسامة ثعلب مكر للتو بفريسته، التي كان يستدرجها خلال حلقات المسلسل عبر الورود والهدايا والكلمات المنمقة، لهذا السرير، ولهذه الليلة، ولهذه اللحظة.
وسأناقش في هذا المشهد عدة نواحٍ، فهذا المشهد يحمل في طياته العديد من الكوارث والمفاهيم الخاطئة التي تُحقن بها أدمغة الجيل الناشئ دونما حتى إدراك، وينقل لنا معنى واحداً فقط؛ الرجل لا يحب سوى للسرير، وجميعاً نعلم أن هذا ادعاء خاطئ وغير منصف في أساسه، فالرجل قادر على الحب، والإخلاص كما المرأة تماماً.
هذا النوع من الأعمال والتي أرغب في أن أسميها "الحيط الحيط، ويا ربي رضا المجتمع" لم تنفك تزرع الخوف في قلوب الفتيات والحذر من الرجال، فالرجل وبحسبها، كائن أناني، غير قادر على منح مشاعر صادقة خالصة، يعمل ليل نهار بخطط من الطراز البونابارتي، ليوقع بشريكته إلى السرير، الرجل الذي لا يمكن الثقة بحبه وإخلاصه. ولكي يكتمل المشهد الدرامي المحبب اجتماعياً وأسرياً، لا بد له من أن يطردها باستحقار بعد أن يشبع رغباته من جسدها.
ولا عجب أن ترى الفتيات مضطربات في العلاقات العاطفية اليوم، متشائمات يتوقعن الغدر دوماً من الشريك، نتيجة بالطبع لهذه الأعمال التي وُصفت بجرأتها؛ لوجود ممثلة عارية الأكتاف في سرير مع ممثل آخر، إلا أني أراها من أكثر ما يمكن أن يقدم للمجتمع كبتاً ورجعيةً، فهي تكبت حتى حرية الثقة بين الطرفين في العلاقة، وتحول أحدهما إلى مريض مفترس مهووس جنسي، والآخر إلى ضحية لا تُعمل عقلها، وإلى مجرد أداة لقنص اللذات عبرها.
وأما المنحى الثاني الذي أود نقاشه، فهو نسف الدراما والجهاز العامل بها عبر سنوات حق المرأة بالاستمتاع بجسدها، ومدى ضرورة هذا الجانب في حياتها، فالحياة الجنسية الصحية والسليمة للمرأة مغيبة دوماً عن الدراما السورية، بفعل الرقابة المجتمعية طبعاً.
ولن أتطرق في حديثي هذا إلى الدين وأحكامه إطلاقاً؛ لأن المتدينين الذين صمتوا عن مشهد الرجل العاري في السرير، لا يحق لهم أن يعترضوا على سلوك الشابة التي تمارس الجنس بالطبع مع رجل يزني بدوره. وبحسب الشريعة، فالزنا في الأديان واحد وعقوبته واحدة لكلا الجنسين.
آن الأوان لكي نعترف بأن مجتمعنا مجتمع يخاف الفضيحة لا الخطيئة، فلماذا إذن يجرم سلوك المرأة الجنسي لتلبية حاجاتها الطبيعية في الوقت الذي تباح هذه الممارسة للرجل؟! لماذا يُفرض على المرأة دوماً لعب الدور الذي اختاره لها المجتمع، الضحية الجنسية، اللعبة الجنسية التي لا تُعمل عقلها، الفتاة التي يقدم لها الحب مقابل ليلة ستحدد نفسها كنهاية للعلاقة بين الطرفين، والمرأة التي يفترض عليها كبح جماح جسدها، لمَ؟
لأنها ستفوز في النهاية بزواج شريكها بها، أو زواج الرجل ذاته الذي ترك امرأة مارست معه الحب دون زواج بها هي، فهي وكما يتم تصويرها في الدراما، مطلب وأمل كل رجل، والمرأة التي تتجرأ على قضاء ليلة مع رجل، سيكون مصيرها الحسرة والهجر من حبيبها، والنبذ والرفض من المجتمع، إن لم يكن هدر دمها لهذا الجرم الشنيع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.