خطابات السيسي بين “الزعل و”اللخبطة”

وعندما توجه له أسئلة عن التنمية أو عن الوعود والمشاريع الاقتصادية، ابتدع عبد الفتاح السيسي نظرية "أهل الشر" للتهرب من الرد على تلك الأسئلة. حيث قال في إحدى خطاباته ردا على سؤال "موش عاوز اتكلم كتير عشان الأشرار"، وقائلا في مناسبة أخرى "أهل الشر هيزعلونا ويزعلوكم".

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/17 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/17 الساعة 09:53 بتوقيت غرينتش

نظرية الزعل واللخبطة

"إن تحركنا تزعلوا، ولما تزعلوا تتحركوا، ولما تتحركوا تلخبطوا، فلما تلخبطوا تهدوا البلد. وإن متحركناش هنفضل عاجزين.. فانتم
تحسوا بالعجز بالقلة، فتتحركوا فتهدوا البلد"

هذا ما قاله عبد الفتاح السيسي خلال كلمته في منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ، والمقام في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. ليست المرة الأولى من نوعها التي يظهر فيها السيسي في خطاب إعلامي ارتجالي لا يمكن تبين معالمه أو تفكيك شفراته.

الرئيس المصري الذي أطاح بالرئيس السابق محمد مرسي عبر انقلاب عسكري في الثالث من جويلية/ يوليو 2017، لا يفتأ يتكلم خارج إطار ورقة معدة مسبقا، إلا وتضج مواقع التواصل الاجتماعي بالسخرية منه لما تحمله خطاباته من طرائف.

رئيس للبيع

ولعل أشهر ما قيل على لسانه، عبارة عقبها تصفيق مدو من الحضور إثر حديثه عن العدالة الاجتماعية وعن إحدى طرائفه المتمثلة في فكرة "صبح على مصر بجنيه". إذ قال السيسي "والله العظيم أنا لو ينفع أتباع هتباع". ربما ستكون هذه الكلمة الأشهر طوال تاريخه، خصوصا مع ما عقبها من سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أن البعض قاموا بعرض عبد الفتاح السيسي للبيع بالفعل على موقع "إيباي"، إضافة إلى إنشاء حدث على الفايسبوك لمزاد يتم عرض السيسي فيه للبيع.

لم تتوقف خطابات "التسول" التي يلقيها الرئيس المصري عند هذا الحد، ففي خطاب آخر له قال "أنا قعدت عشر سنين ثلاجتي كان فيا مياه بس"، ليقدم كعادته مادة للسخرية ليس فقط لرواد وسائل التواصل الاجتماعي، بل إن الأمر قد تجاوز ذلك، ليحضر أمين عام منظمة التعاون الإسلامي السعودي، إياد مدني، في مؤتمر الأيسيسكو بالعاصمة تونس، ويقول في كلمة ألقاها أمام الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي "فخامة الرئيس السيد الباجي قائد السيسي رئيس الجمهورية التونسية" ليتدارك قائلا "السبسي آسف، هذا خطأ فاحش. أنا متأكد أن ثلاجتكم فيها أكثر من الماء فخامة الرئيس" ..

أهل الشر

وعندما توجه له أسئلة عن التنمية أو عن الوعود والمشاريع الاقتصادية، ابتدع عبد الفتاح السيسي نظرية "أهل الشر" للتهرب من الرد على تلك الأسئلة. حيث قال في إحدى خطاباته ردا على سؤال "موش عاوز اتكلم كتير عشان الأشرار"، وقائلا في مناسبة أخرى "أهل الشر هيزعلونا ويزعلوكم".

كما قال في حفل تدشين مشروع تنمية شرق بورسعيد "في كلام ما برضاش اقوله عشان الشر وأهله".

غير بعيد عن الخوف من الحسد، يظهر استحضار المعجم الديني بقوة في خطابات الرئيس المصري، فالسيسي الذي سفك دماء أعداد مهولة من المواطنين المصريين، وسجن الآلاف منهم ظلما، لا يكاد يلقي خطابا أو يظهر إعلاميا، إلا ويستشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية لدعم موقفه السياسي، وقد عبر في كلمة له ألقاها أمام كبار ضباط الجيش والشرطة قبل توليه رئاسة الجمهورية عن عدم خوفه من الموت إنما خشيته من لقاء الله. ليقول في خطاب لاحق خلال فترة رئاسته "اللي ما يرضيش ربنا احنا هنبقى موجودين معاه".

مما لا شك فيه أنها زلة لسان، لكنها تكشف، ربما، عن النهج الذي انتهجه السيسي بإغراق مصر في دوامة ظلم دموية لا محدودة، ترفضها كل الشرائع وتنبذها كل القيم الإنسانية.

فلوس زي الرز

وفي علاقة بالسياسة الخارجية للنظام المصري، قال عبد الفتاح السيسي في كلمة وجهها إلى نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، "لما كنت صغير كانوا بيضربوني وكنت بقولهم لما أكبر هضربكم".

وفي مناسبة أخرى، قال السيسي في كلامه عن دولة قطر "ده مصر فيها 100 مليون بيفطروا ويتغدوا ويتعشوا في يوم بأكل سنة من بعض الدول"، لتنتقل في تلك اللحظة كاميرا التلفزيون المصري الرسمي إلى ولي عهد أبوظبي، أحد من قال عنهم عبد الفتاح السيسي "عندهم فلوس زي الرز" ، الشيخ محمد بن زايد، الذي ظهر ضاحكا.

ربما تناسى الرئيس المصري، الذي يتفاخر بكون شعبه يأكل في اليوم ما يأكله شعب دولة أخرى طيلة سنة، أن 27 مليون من شعب بلده تحت خط الفقر.

طبيب الفلاسفة

ليس غريبا على الرجل الذي قضى أربعين عقدا في الخدمة العسكرية، أنه لا يعرف سوى إلقاء الأوامر أو تلقيها، وقد قال مرة "ما تسمعوش كلام حد غيري". فهو مؤمن أن الله قد أرسله وأن "زعماء العالم، وخبراء أجهزة المخابرات، والسياسيين، والإعلاميين، وكبار الفلاسفة" يستمعون إليه باهتمام.

كما يتجلى التعالي الذي بلغه السيسي في خطاباته في قوله "ربنا خلقني طبيب، أوصف الحالة، هو خلقني كده .. أبقى عارف الحقيقة وأشوفها".

الرئيس الحقوقي

في الرد على سؤال متعلق بتراجع حقوق الإنسان في مصر في ندوة صحفية مع نظيره الفرنسي ماكرون، قال عبد الفتاح السيسي "الموضوع بالنسبة لينا كحقوق إنسان، احنا ما بنهربش من الإجابة عنه، بس أرجو إن احنا نفهمه في سياقه الحقيقي لدولة في ظروف مصر. نحن لسنا في أوروبا، بتقدمها الفكري والثقافي والحضاري والإنساني، نحن في منطقة أخرى". ولسائل أن يسأل هنا عن "السياق الحقيقي" الذي عناه الرئيس المصري في الحديث عن حقوق الإنسان التي لا تتجزأ ولا تختلف بكونيتها تحت أي ظرف.

ولعلها تكون من المرات النادرة التي يظهر فيها رئيس مهينا لدولته ولشعبه بهذا الأسلوب، إذ قال في إجابته على نفس السؤال مبررا تردي وضعية الحقوق والحريات في مصر "إنت بتتكلم على بلد فيها 100 مليون عايزين يعيشوا ويستقروا .. ما عندناش تعليم جيد، أنا بقلك .. ما عندناش علاج جيد في مصرما عندناش توظيف جيد في مصر".

لكن الطريف في الأمر، أن السيسي الذي لا يعتبر حقوق الإنسان أولوية أمام "السياق الحقيقي لدولة في ظروف مصر"، هو نفسه الذي كان سباقا في إضافة حق جديد من حقوق الإنسان في الدولة المصرية لم يرد ذكره سابقا متمثلا في "مقاومة الإرهاب والتصدي للإرهاب حق من حقوق الإنسان .. حق جديد بضيفه أنا في مصر لحقوق الإنسان"

بات الظهور الإعلامي للرئيس المصري اليوم فرصة للتندر ينتظرها المؤيدون والمعارضون على حد السواء، لكنه من المضحكات المبكيات في آن، أن يكون هرم الدولة المصرية العريقة، إنسان لا يفوت فرصة إلا ويسيء لمصر بقصد أو بدونه، مستندا على جوقة من الإعلاميين الذين يخدرون المواطن البسيط بتأليه رئيسهم الذي داس على كرامتهم، وضيق الخناق على حرياتهم، وانتهك حقوقهم…

– تم نشر هذه التدوينة في موقع ميم

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد