"قد حصل معي سابقاً أن توقفت عن القراءة انشغالاً وضغوطاً ليس بيدي تارةً، وتقصيراً وتجاهلاً أحياناً، مبررة لستُ متعمدة وأنا أشهد…".
يومياً يعج رأسنا بالأفكار الرائعة التي تطبعها حمى أو ثورة القراءة حولنا، لكن للأسف نتجاهلها ولا نأخذها على محمل الجد، فما إن يبهرك عنوان رواية أو كتاب ويستوقفك لقراءته وتأمله، يبقى انتهاؤك من قراءته هو الهدف النهائي والتحدي والملكة التي قد تتميز بها.
لطالما وجهت لنفسي بعضاً من الأسئلة من جملتها: هل أنا مقتنعة أصلاً بأهمية وجود هذه العادة في حياتي اليومية؟
شخصياً، أعشق القراءة والكتب وأجدني أستمتع بالحروف وأغذّي عقلي وروحي وأذهب لعوالم لا تعد ولا تحصى، ورغم كل هذه المتعة الخالصة بكل جوانبها الذهنية والروحية التي تلامس العواطف والآمال والأحلام، إلا أنني أظل وجيلي أمة تريد أن تقرأ ولا تقرأ.. جيلنا جيل غارق من رأسه حتى أخمص قدميه بالتكنولوجيا ومفهومها الترفيهي عموماً مع الاستثناء؛ لكي لا أظلم الكل، جيل فقد التواصل مع القراءة ومفهوم الكتاب، فبات الطبيعي استثمار الوقت على مواقع التواصل والغريب أن تقرأ أو تطالع.
فلنكن واقعيين ولا نخدع أنفسنا قبلهم، لا يستطيع أحد أن يحبب لك القراءة إلا إذا وجدت الوسائل والطرق التي تجعلك تحبها.
فحب القراءة لا يأتي من فراغ أو بالاقتباس أو بزيارة المعارض والمكتبات أو قراءة عابرة لكتاب ما، بل قراءة وقراءة وقراءة تؤدي إلى الإدمان على المطالعة، حتى يصبح الكتاب جزءاً من حياتك ويصبح هو جزءاً منها.
إذاً يجب أن نبحث عن آلية تعودنا على القراءة أولاً، فإذا لم نستطع أن نقرأ فلم ندرك بعد أهمية القراءة، ومن ثم لم نستشعر حبها.
دعوني أعترف لكم بشيء عندما كنت أحاول فقط تقليد السيد الوالد وإرضاءه لم أستطِع يوماً أن أكمل كتاباً، فتصيبني لعنة التأنيب بعدم إتمامي قراءة الكتاب، ولكن ظلت أهمية القراءة هي المحرك الوحيد الذي يقودني للمكتبة، ومن ثم تحول مع الوقت، وتزايد السن والإدراك لشيء محبب إلى النفس والسبب الرئيسي الذي يجعلني أكتب دوماً.
ففي الوقت الذي سأتوقف عن القراءة بالتأكيد سأتوقف عن الكتابة، وبتجربتي سأحاول مساعدة من يريد التعرف على هذه المتعة أو يريد أن يعيد علاقته بها، فمن النصائح التي عملت بها:
– أن تختار الكتب التي تستهويك مواضيعها في البداية، فإن كنت تحب الموضة فاختر الكتب والمجلات التي تتحدث عن الموضة والأناقة والجمال.
– أن تبتعد عن الكتب الضخمة بداية الأمر؛ لأن الحجم سيُصيبك بالإحباط ومن ثم هجر الكتاب، فتجربة سيئة واحدة مع المطالعة في البداية كفيلة بجعلك تنفر منها.
– أن تعتمد على الحجم الذي يريحك نفسياً عن موضوعك المفضل والمختار، ولا ترغم نفسك على قراءة كتاب أو رواية منتشر عنوانها حولك.
– ألا ترغم نفسك على قراءة الكتاب كاملاً فإن لم يعجبك يمكنك التخلي عنه، فالعبرة ليست بالكثرة، اقرأ قليلاً، ولكن أستوعب كل كلمة قرأتها.
– أن تقرأ في أوقات الصفاء الذهني، ولا تحاول لملمة شتات تفكيرك بالمطالعة؛ لأن أسوأ عدو للقراءة هو التشتت الذهني.
– ألا تستعجل للانتهاء ولا تسعَ لحصد الإعجابات وخُذ وقتك كاملاً فأنت لا تقرأ ما ينفعك بل تنتفع بما تقرأه.
– أن تصطحب معك كتابك أينما ذهبت، خصوصاً إلى أماكن الانتظار والسفر.
البدايات للكل والثبات للصادقين عنوان كبير وفضفاض لا يمكنني حصره في تدوينة أو مقال، ذلك لربما كثير منا عندما لا يكمل من انتهاء كتاب فإنه يضعه جانباً على أمل العودة لقراءته، لكنه لا يفعل فيختار عنوان كتاب آخر يجذبه، فالبدايات للكل والثبات للصادقين المهووسين بحب الكتب والقراءة، الذين يعطون لأنفسهم فرصة أخرى فيغوصون بين ثنايا الكتاب حتى يتموا قراءته وربما يعيدون مرة أخرى حتى يستوعبوا تماماً، ولا يتفلت منهم معنى لم يصلهم.
فطوبى لمن سكنت القراءة روحه، فوجد بها سحراً وفناً وسراً ومتنفساً من أثقال الحياة وهمومها، وأعطته من طيب غراسها حباً أبدياً يجمعه بها، فاستوعب كل كلمة قرأها وطبقها على أرض الواقع، غير ذلك فستعتبر تلك المعرفة دون جدوى، فاللهم صدقاً وثباتاً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.