كيف تعرف الطريق؟ الإجابة: لا يمكنك.
في خلال العام الماضي، وتحديداً بدءاً من شهر سبتمبر/أيلول 2016، نقوم بمقابلة بعض الشخصيات المؤثرة في مجالات عديدة: مديرو شركات، ومؤسّسون، ورواد أعمال، وكُتّاب، وأساتذة جامعات.
أثناء الحوار، يحكي لنا الضّيف قصّته بدءاً بأيام المدرسة والجامعة، حتى وصوله لهذه المرحلة.
نحن الآن في مرحلة أوّلية في مشروعنا الخاص، مما جعلني أهتمّ كثيراً بهذه المرحلة بالذّات في حياة ضيوفنا في البودكاست.
وقد لاحظت أنّ كثيراً منهم لم يكن لديه أيّة فكرة عن وصوله للمرحلة الحالية، والبعض كان لديه تصور عام أو كان قد رسم الخطوط العريضة، ولكن لم يكن لديه أي توقّع محدّد للتفاصيل.
كثيراً ما نتوهّم أنّه علينا أن نحدد كل ما نريد منذ البداية، علينا أن نرسم الخطة كاملة بكل تفاصيلها، قبل حتى أن نبدأ في الخطوة الأولى.
علينا أن نتوقّع المستقبل، وأن نبني على توقعاتنا ردود أفعالٍ محددة تناسب ما نطمح إليه.
ولكن سُرعان ما نجد هذه الخطة قد تغيّرت بمجرد نزولنا إلى الواقع وبدء التنفيذ. دائماً ما يفاجئنا الواقع بأشياء لم نكن قد اعتبرناها في حسباننا.
سأعرض عليك في هذا المقال بعضاً من هذه الدروس، أشجّعك على أن تستمع بنفسك إلى الحوارات المرفقة؛ لتكتمل الصورة لديك، لا تكتفِ فقط بالقراءة.
كل واحد من هؤلاء أثّر في مجاله ومجتمعه هنا في مصر، وفي الوطن العربي، هم يعيشون بيننا في نفس واقعنا الذي نشكو منه، وقد حققوا نتائج تستحق أن ننظر إليهم بإعجاب، وأن نطمح إلى أن نكون مثلهم، وهذا ما يميّز الحوارات التي نقوم بها، إنّها تمدّنا بأمثلة من بيننا لنحتذي بها.
ياسمين هلال.. الشريك المؤسس لـ"علّمني"
علّمني هي مؤسسة غير هادفة للربح تعمل على تطوير طريقة التعليم في مصر لمواكبة القرن الحادي والعشرين.
علّمني هي مدرسة مجّانية تحتوي على 180 طالباً كما أسهمت علّمني حتى الآن في تأهيل ما يزيد على ثلاثة آلاف معلّم وموجّه يعملون على تعليم وتربية أكثر من 70 ألف طالب وطالبة.
في حوارنا مع ياسمين هلال، الشريك المؤسس لعلّمني أخبرتنا بأنها لم تكن تتوقع أن تبني مؤسسة بهذا الحجم.
في بداية الأمر كانت ياسمين تساعد الطلاب غير القادرين مساعدة مادّية فقط، كانت تفتقر إلى المعرفة والخبرة اللازمتين لبناء مثل هذا الصرح.
كانت -كما ذكرت لنا- تتصرّف على سجيّتها بما تراه مناسباً للموقف، وما مرّ عامان حتى أصبحت علّمني واحدة من أهمّ المؤسسات غير الهادفة للربح في مصر وانهالت الجوائز والتكريمات على ياسمين هلال.
محمد ناجي.. الشريك المؤسس لـ"المقرّ"
المقرّ هو مساحة العمل المشتركة الرائدة في مصر.
في عام 2016، استضاف المقرّ 194 حدثاً من ضمنهم 92 حدثاً تعليمياً بإجمالي 1252 ساعة تعليمية، ما يعادل تقريباً سنة دراسية كاملة في الجامعة.
محمد ناجي، الشريك المؤسس والمدير التنفيذي للمقرّ شارك معنا بداية القصّة؛ حيث كانت الخُطط التنفيذية على الورق مختلفة تماماً عن الواقع الذي واجهوه بمجرّد البدء في التنفيذ.
كما لم يكن لدى محمّد أو شركائه الخبرة الكافية أو المعرفة بكيفية عمل مثل هذه المساحات؛ لأن المبدأ كان جديداً في مصر.
كما يخبرنا محمّد أيضاً أن الخبرة العملية التي اكتسبها مع شركائه ومرونتهم في التعامل مع المعطيات الواقعية ومحاولة التكيّف هي التي أسهمت بشكل كبير في تطوّر المقرّ ووصوله للمرحلة الحالية.
المهندس هشام الجمل، مؤسس Quest للتدريب
إحدى الشركات التي على قمة شركات التدريب في مصر هي شركة Quest التي أسسها المهندس هشام الجمل منذ 18 عاماً.
ولكن المهندس هشام لم يبدأ حياته في مجال التدريب، بل قضى ثمانية أعوام في مجال الهندسة، ثم ثمانية أعوام أخرى في مجال المبيعات، وبعدها انتقل إلى مجال التدريب، ستة عشر عاماً حتى يكتشف الطريق الذي يرغب في سلوكه بقية حياته.
يخبرنا المهندس هشام أن الانتقال من الهندسة إلى التدريب لم يكن واضحاً بالنسبة إليه في البداية، بل اتّخذ خطوات عديدة وسنين طويلة.
ويقول: إن الأمر أشبه ما يكون بخط متعرّج لا ترى مداه من مكانك الحالي، نعم قد يبدو الخط مستقيماً للبعض، ولكنهم قليلون جداً.
على الغالبية العظمى أن تمشي الطريق خطوة خطوة، وأن تنتظر عبور المنعطف التالي لظهور ما بعده من مسافات قد تستقيم وقد تنعطف من جديد.
الحيرة أمر مخيف.. ولكنّها طبيعية
لا شكّ أنّ الحيرة أمر مخيف، حين لا تعرف أين تسلك، وأين يقودك هذا الطريق إن قررت سلوكه.
أمر مخيف أن تختار بين أمرين كلاهما مبهم بالنسبة إليك، وأمر أكثر رعباً أن تختار بين طريق تراه كاملاً ولكنك لا تحبه ولا ترغب في سلوكه، وطريق تحبّه ولا ترى منه سوى البداية.
قد يقودك الخوف لسلوك الطريق الأسهل أو بمعنى أدقّ: الطريق الأوضح.
ولكن هذه الأمثلة، وكل الأمثلة الأخرى التي لا أستطيع أن أحصيها في مقال واحد تؤكّد لك أن اطمئن؛ الحيرة أمر طبيعيّ.
عدم الوضوح هو جزء من الرحلة علينا أن نتقبّله وأن نتعامل معه بحكمة وهدوء، علينا أن ننظر إلى الخطوات الواضحة القليلة التي نراها، وأن نخطوها أولًا قبل انتظار وضوح خطوات جديدة.
الإنسان في رحلته كسائق السيارة في الليل، هو لا يرى كلّ الطريق التي أمامه، فقط يرى المجال الذي يسمح به ضوء سيارته خمسين متراً مثلاً.
ولكنه كلّما تقدّم بضعة أمتار، كُشفت أمامه أمتاراً تساويها لم يكن يراها من مكانه السابق، هكذا أنا وأنت، فلنخطُ في الطريق الذي نشعر بقيمته، ولنستكشفه خطوةً خطوة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.