برجوازي بامتياز

إن وضعنا برجوازية المجتمع تحت المجهر الْيَوم سنجد أنها تتكون من بضع عوائل تُعدُّ على الأصابع، قوية وغنية تتّكئ عليها السلطة التنفيذية "الحكومة" في كل أو معظم مشاريعها ومناقصاتها، حتى تُصبح حقاً هذه العوائل قادرة على السيطرة على هذه المؤسسات بشكلٍ أو بآخر، والأكثر من ذلك عندما تصبح هناك صداقة ومصاهرة بينهم وبين طبقة النبلاء "الصانعة لقرار المجتمع".

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/12 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/12 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش

البرجوازية كلمة فرنسية بحت، تفوح بين حروفها الثقافة الفرنسية حتى قبل أن تتفهّم معناها، يرجع أصل الكلمة اصطلاحاً في اللغة الفرنسية إلى كلمة bourg، ومعناها المدينة، وسُكانها هم الذين يتمتعون بالحقوق المدنية، ولهم حق العيش داخل المدن وهم الأعلى معيشةً ورفاهيةً في الطبقة الوسطى، بشكلٍ أدق.

وفي الأخذ في الاعتبار الظروف الاجتماعية الْيَوم وبين سطور واقعنا، فالبرجوازية هي الطبقة الاجتماعية التي تمتلك رؤوس الأموال ومصانع ومورّدات الحِرف، وتمتلك في نفس الوقت القدرة على السيطرة على المجتمع والمؤسسات القوية في الدولة برؤوس أموالها وأملاكها، للمحافظة على استقرارها وامتيازاتها في المجتمع، بل يقول آخرون إنها طبقة غير منتجة، وتعيش على محاصيل العُمّال.

إن وضعنا برجوازية المجتمع تحت المجهر الْيَوم سنجد أنها تتكون من بضع عوائل تُعدُّ على الأصابع، قوية وغنية تتّكئ عليها السلطة التنفيذية "الحكومة" في كل أو معظم مشاريعها ومناقصاتها، حتى تُصبح حقاً هذه العوائل قادرة على السيطرة على هذه المؤسسات بشكلٍ أو بآخر، والأكثر من ذلك عندما تصبح هناك صداقة ومصاهرة بينهم وبين طبقة النبلاء "الصانعة لقرار المجتمع".

وحين نقرّب عدسة المجهر أكثر وأكثر، سنجد أن هذه الطبقة تتوسع وتتمطّط، وذلك بأن بعض رجالات السلطة التنفيذية أصبحوا ذوي نفوذ وقدرة، ولهم أملاك هائلة، ذلك بمناصبهم في السلطة أو بتسلّق بعضهم بالمماطلة والدهاء وتقبيل الأيادي؛ ليصلوا إلى سدة حكم الكرسي الأعلى في مؤسستهم، أو بتزكية ومباركة وعطاء من طبقة النبلاء "النائبة عن مصير المجتمع"، وبذلك يرضع هؤلاء الآخرون من موارد الدولة وكسب صفقات المشاريع الضخمة، وينضمون لقافلة العوائل الغنية، ويصبح لهم نصيب في التأثير على مستقبل المجتمع والمزاحمة بشكلٍ أو بآخر في صنع القرار مع طبقة النبلاء على المدى البعيد، هذا واقع البرجوازية اليوم.

ثمّ يأتي الجيل الثاني من واقع هؤلاء البرجوازيين، الجيل الجديد الجيل القادم الجيل المهيّئ للإمساك بناموس المصير وراثَةً، أيضاً بنفس فكرة "تحت المجهر" تمعن هذا الجيل أي أبناء هذه الطبقة وأبناء من يطمح للتقرب إليهم، بدايةً ستجد أن ذويهم يضمنون ويؤكدون ويصرون على أن أبناءهم يذهبون في صغرهم لمدارس معينة ذات تعليم مختلف عن باقي المدارس وبيئة مدارسهم مختلفة تماماً عن بيئة المدارس الأخرى، أو إن نمضي على نفس المنوال "الطبقي" ونسميها مدارس أبناء الطبقة الكادحة؛ ليحتك هذا الجيل الجديد من البرجوازيين بفئة معينة من المجتمع في هذه المدارس، فئة تشبههم، فئة الأغنياء، فئة أبناء المسؤولين، فئة أبناء صانعي القرار، بل حتى فئة النبلاء؛ ليعيش هؤلاء في فترة صباهم حياة مختلفة عن المجتمع، حياة وردية ذات نمط فخم وضيقة الحدود في نفس الوقت، حتى إذا خرج أحد منهم لواقع المجتمع ينصدم، ولا يقوى على تقبّل أي فئة أخرى؛ لأنه انفصمَ عن واقع هذا المجتمع ذات الأغلبية من الفئة المختلفة عنه، فذوو القوى والأغنياء لن يكترثوا بنوع تعليم الآخرين، طالما أن أبناءهم في مدارس معينة، فأبناؤهم قادرون على التحدث بأكثر من لغة وغيرهم لا، قادرون على الحصول على البعثات بتفوق وسهولة وغيرهم لا، فتزداد الطبقية جيلاً بعد جيل والفوارق والمسافات تزيد.

إن أبعدنا المجهر قليلاً وبحثنا عن الموضوع بمنظور عالمي، سنجد أن الأمر يتعلّق بسُلّم الطبقية، وعبر العصور سادت في مجتمعات العالم عدة صراعات طبقية بشتى أنواعها، وكل مجتمع من مجتمعات الشعوب قد تعامل مع هذا الأمر بشكلٍ مختلف، فهناك أقوامٌ نسفوا الطبقية بشراسة وآخرون دافعوا عنها بقوة، وغيرهم من تعامل معها باتزان وحكمة، وآخرون تعاملوا معها بسياسات تستدرج رضا جميع الأطراف على المدى البعيد.

هذه السطور توضح فقط صورة من صور الطبقية، سواء بمسمى البرجوازية أو الاختلافات الاجتماعية أو غيرها، بأي حال توضح أن واقع المجتمع الْيَوْم بأحجاره وقواعد لعبه ليس إلا تحصيل حاصل وتراكم تجارب ورؤى مصيرية وتاريخية، والشاهد في الأمر أن وصل الحال بتطلعات بعض الشباب تكون باهتة ومؤسفة، وأقصى مناهم هو مصاحبة أبناء صناع القرار والتلزق بهم والاحتكام معهم وسعادتهم تكمن في أن يلتقوا صوراً معهم لينشروا للناس أنهم أصدقاء لابن الوزير وابن الأمير، بل وصل الأمر للماديات؛ حيث أصبحت لهم نوع السيارة ونوع الملبس والمأكل هو معيار للرجولة ومعيار للفخر، هؤلاء البعض للأسف لم يعد يثقون بأنفسهم، بل بأولئك.

الأمم القائمة على الخوف لا القناعة، وعدم الإيمان بقدرات النفس لا الثقة فيها، وضعف في خصائل النفس لا القوة والخصال الحميدة، لن تصمت أمام أي تحدٍّ عصيب يمر بها، إذا بات حلم الفرد في المجتمع فقط أن يصبح وزيراً لتنحاز له الدنيا بحذافيرها أو ليصاهر نسب الأمير ليقوم حظه أو فقط ليصبح الفتى المطيع لدى مالك المال القرار ليعيش على فضلات نقوده، فاعلم أن المجتمع وصل إلى حد لا يُطاق، فإن لم تحسن فِعلَ أي شيء فسلّم كل شيء وكُن برجوازياً بامتياز!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد