التحرش ليس سلوكا ذكوريّا فحسب وإنما هو سلوك بشري يميز المرأة والرجل على حد السواء، وانتشاره لدى الرجال أكثر، يعود لطبيعة الرجل 'الصياد' في مقابل المرأة 'الطريدة'.
لم أشارك في حملة "أنا أيضا أو Mee too"، الافتراضية ولم أدعمها بأي شكل. بدأت الحملة كما هو معروف بمبادرة من الممثلة الأميركية أليسا ميلانو بعد فضيحة منتج هوليوود هارفي واينشتاين المتهم بالتحرش، ومن ثم انتشرت إلى باقي أنحاء العالم وفاق عدد المشاركات فيها مئات الآلاف من النساء، بينهن نساء عربيّات تجرأن على فتح قلوبهن والحديث لأول مرة عن اعتداءات وحوادث تحرش تعرضن لها في حياتهن.
عدم مشاركتي في الحملة يعود لسببين:
الأول أن إعلان حملة نسائية جماعية علنية على الرجال يشبه إعلان حرب جندرية أهدافها ونتائجها غير معروفة، الضحية فيها هي المرأة دائما والمعتدي هو الرجل دائما، وعودة النساء للتنقيب في حياتهن عن حوادث تحرش تعرضن لها في سن مبكرة، وربما نسينها لعدم أهميتها أو لانعدام أثرها النفسي عليهن، أمر يمكن أن نسميه بـ"الترصد"، والمشاركة من أجل المشاركة وقد رأيت تعليقات أدهشتني في الحقيقة وصلت لحد اعتبار نظرة أو كلمة إعجاب من جار أو قريب تحرشا مهينا. كما أن أهداف الحملة غير واضحة: هل هي في فضح ممارسات ذكوريّة، والتشهير بأصحابها وذبح المعتدين علنا؟ أم معالجة ظاهرة متفشية بشكل يكاد يكون غير قابل للحصر؟، فإذا كان الغرض هو المعالجة فإن الطريقة المتبعة لن تزيد الأمر إلا سوءا لأنها تعمم ولا تخصص، وتتهم ولا تفترض وتحلل.
السبب الثاني قد يبدو غريبا للبعض، وهو أن انتشار عمليات التحرش على هذا النطاق الواسع حتى تكاد تكون كل امرأة على وجه الأرض تعرضت لنوع ما من التحرش كبير أو صغير، يدعو إلى إعادة التفكير في مفهوم "التحرش"! أقول هذا بكثير من الحذر، حتى لا يساء فهمه. ما هو التحرش وأين هي حدوده؟
هل الغزل تحرش؟ هل الامتداح تحرش؟ هل الوقوع في حب إحداهن وملاحقتها بالنظرات والكلمات تحرش؟ هل الاهتمام والمبادرة بالتقرب والتودد تحرش؟
الحملة تم مؤخرا استحواذ الرجال عليها، وهو أمر متوقع وطبيعي، فمن توجه له أصابع الاتهام باعتباره المذنب الوحيد لا بد أن يدافع عن نفسه، والدفاع يكون من نفس التهمة، ولهذا فقد عمد رجال كثيرون إلى رواية حوادث تحرش واعتداءات تعرضوا لها من قبل نساء، قد تكون صحيحة وقد تكون مفتعلة، لكن المؤكد أن التحرش ليس سلوكا ذكوريّا فحسب وإنما هو سلوك بشري يميز المرأة والرجل على حد السواء، وانتشاره لدى الرجال أكثر، يعود لطبيعة الرجل "الصياد" في مقابل المرأة "الطريدة"، وهي فطرة وغريزة تميز كل الكائنات البشرية دون تفريق، هدفها استمرار التناسل والتكاثر.
تكريس مفهوم التحرش كسلوك ذكوري مشين، وتبنيه من قبل المنظمات النسوية وجمعيات حقوق المرأة، جعلا النساء يدخلن في ما يشبه حالة البارانويا والتوجس الجماعية، وتفسير كل ما يصدر عن الرجل من أقوال وأفعال وحركات على أنه اعتداء على المرأة وحريتها وكرامتها وخصوصيتها، إلى آخر القائمة الطويلة.
في المقابل أَجِد أن التحرش هو مرادف للإزعاج، أي كل سلوك يصدر عن رجل أو امرأة يزعج الطرف الآخر ويسبب له ضيقا ونفورا. عدا عن ذلك، نعم، أنا أيضا تعرضت للتحرش، وتحرشت!
– تم نشر هذه التدوينة في موقع صحيفة العرب
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.