هل تتحقق الأحلام فقط في “لا لا لاند”؟

لم أتخيل أن هذا الفيلم الذي ظننته تافهاً في بدايته أنه سيلمسني بهذا الشكل، قصة شاب وفتاة يلهث كل منهما وراء حلمه، الشاب عازف وعاشق لموسيقى الجاز، لكن يُعرض عليه عمل بعيد عن حلمه وبمرتب لم يكن يحلم به يوماً في وقت هو فيه أفقر ما يكون وأحوج ما يكون للمال.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/04 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/04 الساعة 05:49 بتوقيت غرينتش

تدقيق: رزق

هل تتحقق الأحلام فقط في "لا لا لاند"؟

مفترق طرق يعبُر عليه كثيرٌ من ذوي الأحلام والطموحات، ويقفون يفكرون أي طريق سيختارون.. طريق الحلم والطموح أم طريق العمل والمال؟ فلسنا جميعاً من أولئك المحظوظين الذين يجتمع حلمهم وعملهم في طريق واحد، يعملون ما يحبون ويتقاضون في مقابله المال، إنهم حقاً محظوظون.

منا من جرى وراء حلمه سنوات دون أن يحقق منه شيئاً، يهدر سنوات عمره فلا يطال حلمه ولا يطال عملاً لا يحبه، لكنه مصدر للأموال الضرورية لحياته واستقلاله المادي عن أهله وتأسيس حياته الخاصة.

في ليلة شتوية خرجت فيها مع صديقتي دعتني إلى السينما، بدأ العرض فإذا به فيلم راقص (وهو نوع لا أهواه كثيراً)، ولكنني قلت: لا بأس سأكمل على أي حال، لم أكن أدرك أن هذا الفيلم سيحصل فيما بعد على جائزة الأوسكار، وقد استحقها "لا لا لاند" بجدارة في نظري.

لم أتخيل أن هذا الفيلم الذي ظننته تافهاً في بدايته أنه سيلمسني بهذا الشكل، قصة شاب وفتاة يلهث كل منهما وراء حلمه، الشاب عازف وعاشق لموسيقى الجاز، لكن يُعرض عليه عمل بعيد عن حلمه وبمرتب لم يكن يحلم به يوماً في وقت هو فيه أفقر ما يكون وأحوج ما يكون للمال.

عرضٌ مُغرٍ لا يمكن رفضه، بعد شهور من العمل يحقق الشاب نجاحاً وشهرة كبيرتين، هنا يأتي أهم مشهد في الفيلم حين تواجهه البطلة حبيبها وتذكره بحلمه الذي تركه لأجل المال والشهرة، ويتشاجران وينتهي الشجار بأن يتهمها بأنها تغار منه؛ لأنه ناجح ومشهور وهي فشلت في تحقيق حلمها.

نعود من السينما إلى الواقع، إذا كنت تسعى وراء حلمك، لكنه لا يدرّ عليك المال الذي تحتاج، وأمامك فرصة عمل بعيدة عن حلمك.

ما المميزات التي إذا توافرت في هذه الفرصة تجعلك توافق بها؟ السؤال بصيغة أخرى: بكم تبيع حلمك؟ كم من المال يساوي حلمك؟ إذا كانت هذه الفرصة بمقابل مادي كبير بالطبع لن تفوت الفرصة، وبالطبع لن يفوتها أي عاقل، فأحلامنا لن تطير، لكن الفرصة لن تنتظر كثيراً، وبالمنطق والعقلانية فهذه الفرصة هي عصفور باليد، والأحلام هي عشر عصافير على الشجرة، كما أنه يمكننا السعي وراء أحلامنا وطموحاتنا بجانب هذه الفرصة، كما يقول المنطق.

الكثير يعتقد أنه يمكنه أن يوفّق بين حلمه (مصدر شغفه وسعادته) وبين عمله (مصدر دخله)، بل إنه يخطط لأن يقوم بتجميع المال من العمل حتى يستطيع من خلاله تحقيق حلمه من خلال العمل الحر أو إنشاء مشروعه الخاص، وهو ما حققه بطل فيلم "لا لا لاند" في نهاية الفيلم حين حقق حلمه بالثروة التي جناها من عمله، وأنشأ مطعمه الخاص الذي يعزف فيه موسيقى الجاز، لكن هذا في الـ"لا لا لاند" وكثير ممن يخططون لذلك في الواقع ينخرطون في أعمالهم ولا يجدون الوقت لأحلامهم وطموحاتهم، لكن هناك قليل ينجحون في ذلك، فلا تيأس وحاول أن تكون من هؤلاء القليلين.

الظروف التي قد تحول بيننا وبين أحلامنا كثيرة، قد تكون أسباباً شخصية مثل المهارات والخبرات المطلوبة، وقد تكون أسباباً مجتمعية أو سياسية أو اقتصادية مثل السياسيات الاقتصادية أو التضييق على الحريات أو الفقر أو، أو، أو… إلخ.

مجال الإعلام على سبيل المثال أحد المجالات التي تم ضربها في مصر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2017، فأصبح العاملون في هذا المجال مخيرين بين اللهث وراء أي فرصة في مجالهم أو مجال قريب منه، إما بالتخلي عن شغفهم وتغيير المجال بأكمله، خاصة أولئك من لديهم التزامات مالية تجاه أسرهم.

بالمناسبة فالنساء أكثر حظاً في قضيتنا هذه، حيث لا يقع على عاتقهن مسؤولية مالية كما الرجال؛ لذا نجد الفتيات أكثر صبراً ودئباً ومثابرة في السعي وراء أحلامهن، لا يهتممن بالمقابل المادي في البداية بقدر ما يهتممن بعوائد أخرى مثل الخبرة والعلاقات وتحقيق الذات.

وإذا لم يجدن من العمل ما يحببن، فإنهن ينتظرن ويظللن يبحثن ولا يضطررن للانخراط في أي عمل، خاصة أولئك اللاتي في مقتبل حياتهن وليس لديهن أعباء والتزامات مادية.

تتعدد الظروف والنتيجة واحدة، حيث نقع كثيراً في موقف يحول بيننا وبين حلمنا وشغفنا، وبالمناسبة نحن كثيرون، علينا ألا نفقد الأمل وألا نهجر أحلامنا وشغفنا، حتى وإن دفعتنا الظروف وسوء الأحوال إلى امتهان أعمال أبعد ما تكون عن طموحاتنا، أو أقل من إمكانياتنا ومهاراتنا، فالظروف حتماً ستتغير يوماً، وإن لم تتغير فعلينا ألا ننتظر وأن نهيئ نحن الظروف لتحقيق أحلامنا.. فالأحلام لا تتحقق فقط في "لا لا لاند".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد