التحلية النووية

والتحلية هي عملية تحويل مياه البحر المالح الأجاج إلى مياه عذبة بكميات غير محدودة عبر محطات حرارية تعمل بالطاقة الأحفورية (بترول، فحم..) وهي محطات مكلفة؛ إذ يبلغ ثمن المتر المكعب من المياه المحلّاة حوالي 10 دراهم مغربية، بارجة الداخلة لتحلية مياه البحر كمثال حديث.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/03 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/03 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش

تعيش مناطق كثيرة بالعالم نقصاً كبيراً للماء الصالح للشرب، حيث أصبح الولوج إلى هذه المادة الحيوية الأساسية شبه مستحيل، إما كنتيجة للتغيرات المناخية المتصلة بارتفاع نسبة الكربون بالجو، ما خلخل موازين الطقس وبذلك عدم انتظام التساقطات المطرية، وشح منسوبها، أو نظراً لنضوب مخزونات المياه بالفرش الجوفية كنتيجة لاستغلال غير رشيد وإسراف فلاحي وصناعي كبيرين، دون أن ننسى التطور الديموغرافي المخيف الذي عرفه كوكب الأرض بعيداً عن سياسات تنظيم النسل، وفقاً لإمكانيات البيئة والمحيط.

واقع مقلق ومنذر بحدوث أزمات عطش حادة وقاتلة نتيجة التطبيع المزمن مع موضوع الجفاف؛ سنوات طويلة من السياسات الترقيعية القصيرة المدى، في وقت تصطدم فيه مُقلنا بقطار الهجرة المناخية كل يوم وساعة على الشاشات حيناً، وبمفترقات الطرق أحياناً كثيرة.

لا شكَّ أن للتحسيس والدعوة إلى عقلنة استهلاك هذا العنصر الثمين دوراً مهماً في تمطيط الحيز الزمني المتوقع قبل نفاد احتياطات المياه العذبة، إلا أن الأرجح هو البحث عن منابع مستدامة وفقاً لما توفره الجغرافيا والحلول التقنية الكفيلة بجلب المياه لقطاعات حيوية كالفلاحة والصناعة، وليس فقط المراهنة على حلول سقفها توفير مياه للشرب؛ إذ إن مفهوم "الأمن المائي" بالنسبة لي لا يشمل فقط المستلزم الفردي وإنما أيضاً مستلزمات الماكينة الإنتاجية وتطور مؤشراتها.

صحيح أن للمغرب سياسة مائية محمودة؛ إذ عرف تطوراً كبيراً منذ عقد السبعينيات من القرن العشرين من خلال بناء السدود أو من خلال إحداثه مرصداً وطنياً للجفاف وذلك للمساعدة على اتخاذ القرار بهدف معالجة تأثيرات الجفاف وتلبية الحاجيات الآنية للساكنة، إلا أن هذه المجهودات لم تسعفه كثيراً في التحسين من وضعه الدولي وهو يحتل الرتبة 114 من أصل 174 دولة حسب مجموع الموارد المائية المتجددة، مرتبة غير مطمئنة، مفادها: مجموع التدابير والسياسات تحت رحمة مقاييس التساقطات.

على أيّ، لا مجال للقلق ما دمنا حراس البحر الذي لا ولن يرحل، فبين متوسطي وأطلسي ملايين الأمتار المكعبة من المياه الزرقاء الممكن تحليتها.

والتحلية هي عملية تحويل مياه البحر المالح الأجاج إلى مياه عذبة بكميات غير محدودة عبر محطات حرارية تعمل بالطاقة الأحفورية (بترول، فحم..) وهي محطات مكلفة؛ إذ يبلغ ثمن المتر المكعب من المياه المحلّاة حوالي 10 دراهم مغربية، بارجة الداخلة لتحلية مياه البحر كمثال حديث.

في حين تبلغ كلفة إنتاج متر مربع واحد عبر التقنية النووية ما قدره 0.7 دولار أميركي، أي ما يعادل 6 دراهم فقط أو أقل.

المفاعل النوتروني السريع BN350 مثلاً، بمنطقة " أوكتو كازاخستان" ينتج 135 ميغاوات من الطاقة الكهربائية إلى جانب 80000 متر مكعب من المياه العذبة! أداء كهرمائي جيد أسال لعاب دول أخرى كاليابان، الهند – مدراس، باكستان – كراتشي وغيرها من مجموعة العشرين دولة التي تستغل الطاقة النووية لأغراض سلمية غذائية بالأساس وتحت إشراف مباشر للوكالة الدولية للطاقة الذرية المنضوية تحت لواء منظمة الأمم المتحدة.

الطاقة النووية إذاً محور تطوير وتقدم كبير سيمكننا من ربح رهانين؛ أولهما تحقيق اكتفاء ذاتي من الطاقة الكهربائية بمنطق 54% ذات مصدر متجدد و46% ذات مصدر نووي، ثانيهما تحقيق إنتاج مائي يدعم طموحاتنا الزراعية خاصة بالمناطق الجافة ذات التربة الخصبة، الداخلة نموذجاً، والتي يقدر مجموع الأراضي القابلة للاستغلال الزراعي بها المليون هكتار، أي أننا في حاجة إلى ما يقرب من 7 مليارات متر مكعب من مياه الري الحلوة سنوياً بجهة الداخلة وادي الذهب كمعدل لمواكبة استثماراتنا الزراعية (18000 نبتة طماطم بالهكتار تستهلك ما قدره 7000 متر مكعب من المياه) 30 مليار دولار كرقم معاملات متوقع!

الاستثمار في الطاقة النووية السلمية خيار استراتيجي كفيل بتعزيز احتياطاتنا من الماء الصالح للشرب، مياه هي بدورها المحرك الأساسي لتطلعاتنا الزراعية الكبرى، فالمغرب بلد فلاحي بامتياز وفاعل أساسي في قضايا الأمن الغذائي المنشود.

هو أيضاً بوتقة تنصهر بها فرص الاستثمار، والشراكة، والتجربة والتعايش الدائم، وما مشاريعنا بإثيوبيا وغيرها من الدول إلا خير دليل على الدور الريادي الذي يلعبه المغرب في هذا المجال برؤية ملكية ثاقبة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيَّده.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد