عبدة الدرهم

في عالمنا المضطرب فجأة، ابتلينا بأنواع من البشر لا تقيس علاقاتها مع الآخر من البشر إلا بالدرهم، فهم يحبونه ويعبدونه ويعشقونه، وأينما وجدوه صار لهم مستقراً ومكاناً، وعند من يجدونه يصير بقدرةِ قادرٍ حبيباً وعزيزاً ورفيقاً وطول الوقت على صواب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/29 الساعة 04:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/29 الساعة 04:55 بتوقيت غرينتش

أينما ولَّيت وجهك هاته الأيام فستجد مِن حولك الكثير من عبدة الدرهم وجامعي المال ومحبي اليورو والدولار. ستجدهم في العائلة والعمل والمدرسة وبين الأصدقاء أو الأحباب.

في عالمنا المضطرب فجأة، ابتلينا بأنواع من البشر لا تقيس علاقاتها مع الآخر من البشر إلا بالدرهم، فهم يحبونه ويعبدونه ويعشقونه، وأينما وجدوه صار لهم مستقراً ومكاناً، وعند من يجدونه يصير بقدرةِ قادرٍ حبيباً وعزيزاً ورفيقاً وطول الوقت على صواب.

ما أقبح أيامنا هاته! وما أسوأها! فلقد حلت لعنة المال على الجميع، ففرقت بين الأب وابنه؛ والأخ وأخته؛ والأم وابنتها؛ وبين الحفيد وجده.

يضحكني بعض البشر من هواة المال عندما تجدهم في المساجد فجراً وظهراً وعصراً وعشاءً، يدّعي أنه يعبد الله ويذكره، ويحدثك كثيراً عن العقيدة والإيمان، ولكن ما إن ير الدرهم حتى يشتعل قلبه العامر بالإيمان غضباً وحقداً وحسداً وطمعاً. كيف لإنسان يدّعي حب الله وذكره في قلبه أن يزاحمه حب المال لهاته الدرجة؟!

لقد ابتُلينا ببشر قاطَعوا رَحمهم من أجل المال، وآخرين لربما ذبحوا وقتلوا زوجاتهم وأبناءهم من أجل دراهم معدودة. بئس الدرهم، وبائس قلب أعمى لم يحب سواه!

ما أقسى الأب الذي يعطي السخط والرضا بقدر ما أخذ من دراهم من أبنائه! صحيح أنني مع حق الوالدين في ألا يفرّط فيهم أبناؤهم، ولكن كيف يعقل أن نقيس الجنة والنار بمقدار ما نأخذ من أبنائنا من مال؟!

والله، إن القلب ليحزن حزناً لأم تفرّق بين أبنائها بالقدر نفسه الذي فرقت به الأرزاق بينهم؛ فصاحب الرزق القليل منبوذ ومرفوض ومخطئ على الدوام هو وزوجته وأبناؤه، ومهما فعل أو قدَّم فقدْ جحدَ. أما ذو الرزق الوفير، فكلامه صواب، ومجاملته واجبة، وأبناؤه كلهم جيدون وطيبون حتى لو كانوا من حثالة البشر وحتى لو كان هو نفسه ذميم الخلق وسليط اللسان.

لقد وصلنا لواقع يصعب معه الوصف، فلا محبة ولا أخلاق ولا دين، والكل ينافق ويكذب من أجل الوصول لحفنة من الدراهم لا تستحق كل تلك المعاناة.

كيف استبدلنا المشاعر الصادقة والمودة والرحمة المتبادلة بجشع لا حدود له وطمع لا نهاية لها؟!

من حقنا أن نحب المال ونجمعه ونحرص عليه، ولكن ليس من حقنا دفن ماضينا وقِيمنا التي نشأنا عليها لشراء لحظات متعة واهية، نتخيل فيها أنفسنا كما لو حققنا ما لا يمكن تحقيقه. لحظات تتجلى فيه مظاهر اجتماعية مسطحة وفي عمقها الكثير من صورة مزيفة!

من الصعب أن تتخيل أن رضا والدك المبجل لا يكون سوى بمقابل، فيصبح كالكلب الذي ينتظر أن تُرمى له العظمة كي يكف عن النباح قليلاً.

يضحكني كثيراً من يتحدث عن وجوب استشعار الخوف من الماسونية وحتى من دعاة التبشير بينما أغلبنا أصلاً اختار إلهاً من نوع جديد يكتنز في البنوك، فبواسطته قد تبلغ أعلى الجنان أو بإمكانك ممارسة جميع الموبقات، كل ما يخطر على بالك وما قد تعتقد أنه لا يمكن حدوثه، فأبشرك بأن المؤمنين الجدد قادرون على فعله.

ولا تتعجب كثيراً، ففي هدا الدين الجديد كل شيء يباع ويشترى. فهذا حوَّل بيت زوجته إلى ماخور كبير، وذاك يأخذ حصته مما جنتْه ابنته كل ليلة، وذاك فرَّق أولاده على الشوارع يتسول بهم!

صحيح أننا قد نعيش في ظروف فيها فقر وضعف وحاجة، ولكن دعني أقول لك: والله، إن الأغلبية ليست في حاجة لما تقوم به أو لما وصلت إليه، ولكن إيمانهم الكبير بشريعة الدرهم هو من أوصلهم لذلك.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد