هذه الكلمات هي محاكاة ساخرة لواقع إعلامنا العربي اليوم الذي يعيش فترة صعبة جداً لم يجد لها النقاد والخبراء وصفاً دقيقاً يشخص حالة بعض القنوات والمواقع العربية اليوم.
لست جمال ريان ولا محمد كريشان ولا حتى إعلامياً أو نجماً من نجوم السوشيال ميديا أو التوك شو، ولكنني طالب بمعهد الصحافة في تونس أفنيت أربع سنوات من عمري في دراسة الخبر الصحفي وفنون التقديم، وما يكتب، وما لا يجب أن يقال أو يكتب، والمصطلحات التي تستخدم في مجال الصحافة.
علمونا أنه ليس كل ما قيل يكتب وينشر، وليس كل ما يسمع يقال، وأن التثبت من صحة الأخبار هو المبدأ الأساسي لأي خبر سينشر أو يذاع، وأنه في حالة ورد الخبر خاطئاً هنالك مبدأ آخر من مبادئ الصحافة وهو التصحيح، لكننا اكتشفنا أنهم هناك من يدعون انتسابهم للصحافة ثم يقولون كل شيء وينشرون أي شيء، والأهم عندهم هو نسبة المشاهدة العالية بغض النظر عن المصداقية والمهنية والحرفية.
علمونا أن الخبر مقدس والتعليق حر، ثم تفاجأنا بالكم الهائل من الأخبار اليوم في العديد من المواقع لا تستطيع أن تصنفها لتفاهة محتواها.
علمونا أن الجدية وآنية الحدث وضخامته هي أهم عناصر الخبر، ثم فوجئنا بعناصر جديدة تكتسح الأخبار هي الإثارة والتشويق والأفلام الهوليوودية، فذا مذيع يتحدث عن الكائنات الفضائية تحكم العالم، وآخر يعرف ما في نفوس البقر، والأجمل منهما من يجري مقابلة مع عقرب.
علمونا أن هناك مصطلحات محرماً استخدامها في مجال الإعلام والصحافة، ثم فوجئنا بالقوم يستخدمون كل شيء ويقولون كل شيء.. ثم يتصدرون الساحة الإعلامية ويحققون أعلى نسب المشاهدة ويحققون النجومية والشهرة ويصبحون حديث الناس.
أفكل من يجلس أمام الكاميرا ويردد كلمات ويبهرك بمظهره إعلامي؟
إذا أردت أن تصبح صحفياً في دقائق في نظرهم فلديهم وصفة جاهزة لك؛ لتصبح مثل أولئك الإعلاميين:
أولاً: عليك بفن التطبيل، هو فن جميل جذاب، لديه طريق واحد ومسلك، عليك أن تغمض عينيك فقط، أما العقل فالأرجح أن تنساه؛ لأن هنالك كلمات محفوظة عليك ترديدها فقط.
ثانيا: عليك بعلوم الردح بشتى أنواعه الصاخب والكلام الساقط والسب والشتم والتخوين والتحريض على القتل، وتلك وصفة من أكثر الوصفات التي يستخدمونها، والتي ينصحون بها.
ثالثا: عليك باتباع أسلوب: اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس أو لا يصدقونك، المهم أن تقبض الثمن وتؤدي مهمتك على أكمل وجه، وإذا لم تصدق نفسك أرضِها بالمال.
رابعاً: عليك بالأشياء الغريبة والأمور العجيبة التي لا يصدقها العقل حتى تتوه المشاهد، وإذا لم تنجح تلك الوصفة عليك بالخامسة، وهي أن تتناول في حديثك أتفه الأمور التي لا يصدق أحد أن هناك من يتحدث عنها أو يغطيها.
خامساً: عليك أيها الصحفي الماهر أن تخرج عن المألوف، وأن تغرد خارج السرب وحيداً، هناك ستجد أولئك الإعلاميين وتلك القنوات المأجورة.
صدق أو لا تصدق لا تزال العديد من القنوات والمواقع العربية تستخدم مثل هذه الأساليب البعيدة عن المهنية، وتتعاقد مع بعض من الإعلاميين مهمتهم الكذب وتزييف الحقائق وعقول الناس، رغم أن العالم تجاوز تلك الأساليب وذلك النوع من الإعلام منذ زمن.
أن تصبح صحفياً في دقائق أمر سهل جداً.. لكن أن تصبح صحفياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى أمر صعب يحتاج الكثير من الصبر والتدريب والتعلم والتجربة.
يحتاج لسنوات تتعلم فيها معنى الخبر الصحفي وسنوات كيف يكتب وأخرى لماذا نكتب؟ وماذا نريد من الجمهور المستهدف؟ وما يريده منا الجمهور؟
كما نحتاج أيضاً لمن يعلمنا على من نطلق كلمة صحفي أو لقب إعلامي.
هل من يكذب ويزيف الحقائق ويسب ويشتم ويفتي في كل العلوم والفنون يستحق أن يلقب بصحفي أو يكنى بالإعلامي؟
هل مهنة المتاعب والمخاطر والرسائل النبيلة؟ أم أنها مهنة الوقوف أمام الكاميرا والحديث أمامها فقط؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.