يحق لقارة إفريقيا العملاقة أن تفتخر بثرواتها الطبيعية الهائلة الممتدة من الصحاري إلى الغابات الاستوائية؛ حيث يمكن للمرء أن يشاهد في هذه الأراضي الفسيحة أنواع الحيوانات التي لا يمكنه مشاهدتها في أي مكان آخر في العالم، ويُمتع بصره بما تزخر به القارة من شتى أصناف الفواكه، فضلاً عن ثراء موارد القارة المحفوظة في باطن الأرض والأنهار المنتشرة بوفرة.
لكن رغم هذا الثراء والوفرة، إذا استثنينا بعض ما تعرضه الأفلام الوثائقية الطبيعية بهذا الخصوص، نجد أخبار إفريقيا.
دائماً في صدارة ما تعرضه نشرات جدول الأعمال العالمي، المزدحمة بالتقارير عن الكوارث، من أعمال إرهابية، وجرائم، وانتهاكات حقوق الإنسان، واللاجئين، والكوارث الطبيعية وجوع مفضٍ للموت، تكاد تكون حكراً على القارة السمراء.
ولا تزال المساعدات الإنسانية لا تتمكن من الوصول إلى المناطق الرئيسية في المنطقة، مثال على ذلك، عدم وصول -إلى يومنا هذا- 57٪ من مبلغ 2.2 مليار دولار المطلوب في 2017 للتخفيف من الأزمة، إلى المحتاجين إلى تلك المساعدات، فيما تكافح بلدان المنطقة للتصدّي لهجمات المنظمات الإرهابية، مثل بوكو حرام، فضلاً عن صراعها ضد كوارث الجفاف والجوع.
لا يمكن إنكار ما تبذله الكثير من البلدان والمنظمات الدولية من جهود هائلة لمنع انتشار الكوارث التي تعاني منها إفريقيا، لكن إذا نظرنا إلى النتائج على الأرض، يبدو واضحاً أن هذه المساعدات غير كافية في حل المشاكل الواسعة.
وفي هذا الصدد، يمكن تصنيف أسباب العجز في حل هذه المشاكل، إلى مجموعتين من الأسباب: أولاهما، تتعلق بطبيعة المعونة، مثلما يمكن أن يلاحظه أي شخص مطلع على التطورات الجارية في إفريقيا؛ إذ يشكو الكثيرون من قلة حجم المعونة، وسوء توزيعها؛ حيث أصبح أمراً شائعاً، على سبيل المثال، مكوث عدد كبير من الناس في منطقة غير زراعية، واستمرار تلقيهم كميات من المعونة غير كافية، وهي أقل بكثير مما يحتاجونه مقارنة بأعدادهم الغفيرة.
على سبيل المثال، يرجع الجوع في الصومال أساساً إلى مشكلة المياه والحرب الأهلية، والمعروف عن هذا البلد، أن احتمال العثور على الماء في جوف أراضيه يفوق 100 أضعاف احتمال العثور عليها على سطح الأرض، وذلك بسبب ثراء الصومال بالأنهار تحت الأرض، ومن هنا كان بالإمكان حل مشاكل الغذاء والماء من خلال استصلاح الأراضي الزراعية عن طريق فتح آبار المياه، وليتسنى ذلك، لا بد من تزويد المنطقة بمعدات الحفر، وترشيد الجهود المبذولة في مجال الزراعة، وتعمل حالياً تركيا في الصومال لتحقيق هذا الغرض.
ومن الممكن حل هذه المشكلة عن طريق تشكيل منظمات مركزية للمساعدة بدعم من الاتحاد الإفريقي وتعمل تحت مظلة الأمم المتحدة.
ويمكن لهذه المنظمة الواسعة النطاق أن تساعد أيضاً في تجنب ورطة تسييس جهود الإغاثة؛ إذ يلاحظ في كثير من الأحيان، حتى في موضوع تقديم المعونة، عندما ينشب نزاع بين زعيمين أو جماعتين أو عِرقين أو عضوين من ديانتين مختلفتين، تفضل البلدان الغربية مساعدة الطرف الأقرب إليها، ومن أجل تفادي هذه المعضلة، من الضروري جمع كل المساعدات في صندوق مركزي، ولا بد من استخدام المعونة من أجل التوصل إلى حل دائم، مع ضرورة توزيعها، من طرف المقر المركزي الذي يملك ممثلين ومشرفين في المناطق المعنية بالنزاع.
وينبغي تمكين المنظمات الخاصة أو الدول من مواصلة جهود الإغاثة التي تقوم بها في هذه المناطق، ولكن لا بد أن تعود مهام ومسؤولية الإشراف والمتابعة لهذه المعونة للمنظمات المركزية والمستقلة؛ لأن طبيعة هذه المنظمة الخاضعة للمراقبة من قِبل أعضاء الأمم المتحدة، يضمن حياد المعونة.
وإنه لأمر حيوي وجد مساعد لأداء مثل هذه المهام الدقيقة، عدم اشتمال منظمات المعونة الإنسانية على امتيازات إضافية، مثل حق النقض لمختلف العناصر السياسية.
وفي حالة التمكن من تحقيق ذلك، فمن المحتمل جداً انخفاض حالات الانسداد المعرقلة أو سوء التصرفات السياسية من الأطراف المختلفة.
ومما لا شك فيه أن الكوارث في إفريقيا ليست كلها طبيعية؛ الكثير منها ناجم عن نزاعات إقليمية، على غرار جنوب السودان، الذي لا يمكن ربط معاناة اللاجئين من الجوع والأمراض بحالة الجفاف، مثلما جاء في توضيح منسق برنامج الأغذية العالمي جويس لوما الذي قال: إن "هذه الندرة هي من صنع الإنسان".
فجميع سكان المنطقة تقريباً هم من المزارعين، ونتيجة للصراعات التي وقعت هنا، اضطر المزارعون لمغادرة المنطقة.
وخلال هذه الفترة، كان حتماً على الناس الكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة لعدة أشهر، والعيش على ما استطاعوا العثور عليه من خضراوات، وما أمكنهم اصطياده من أسماك.
ويمكن إيواء هؤلاء الأشخاص في الأراضي التي تؤمّنها الأمم المتحدة، وتوفر لهم المعدات اللازمة لكسب عيشهم من خلال الصيد أو الزراعة. ويجري حالياً تنفيذ مشروع في المنطقة لمنع نفوق المواشي بتلقيح الأغنام والماعز، لكن بغض النظر عن طبيعة وحجم هذه المعونات، سيظل كل شيء غير كافٍ في حالة عدم استتباب السلم والأمن.
ولا يجب أيضاً أن ننسى أن السبب الحقيقي لهذه المأساة في إفريقيا هو صراع جماعات المصالح المختلفة من أجل الهيمنة على السلطة واحتكار الموارد.
وإذا أمكن منع مثل هذا الطموح الجامح، لن تظل إفريقيا في حاجة للمساعدات، بل يمكنها أن تصير المركز الأول للمعونة الإنسانية في العالم.
ولكي يحدث ذلك، فلا بد على الإرادات الخيرة أن تتحالف وترصّ صفوفها للتصدي لجماعات المصالح، ولا يمكن وقف طموح هذه الجماعات التي تسعى إلى تأمين مصالحها حصراً من خلال استغلالها الفقراء، إلا بهذه الطريقة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.