فصول الحياة

بدأنا بالربيع؛ لأننا حتماً ولا بد سننتهي به، هذا يقيننا في مُبدع اللوحة ومسيّر الأمور.. وهو كان وسيكون دائماً عند ظننا به.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/22 الساعة 04:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/22 الساعة 04:18 بتوقيت غرينتش

تمر الحياة كما لو كانت عاماً واحداً بفصوله الأربعة.. تتأرجح بين التألق والجفاف والتمايل والسقوط.

لن يمر العمر كله على شاكلة واحدة مهما اجتهدنا في ذلك، نعلم جيداً أن دوام الحال من المحال، ولكننا ورغم ذلك وددنا لو أننا تألقنا دائماً، وددنا لو كنا متوهجين، تحمل أوراقنا ألواناً تبهج الأعين وتسعد القلوب بلا نهاية، ومن منا لا يتمنى لو كان عامه كله ربيعاً؟

ولكن الواقع مختلف.. نحن نمر بكل الفصول رُغماً عنا ومهما حاولنا أن نطيل الربيع.

ربيعنا يفوق جمال الحديقة فيه.. لم نكن وحدنا، كانت لنا جذور أحكمت الإمساك بنا، أكملتنا وأضافت لنا ألواناً أبرزتنا، هنا بالذات يكمن جمال الربيع، يكمن التمسك والإخلاص في العناية والاهتمام… لم نزدهر فقط لأننا أردنا.. ازدهرنا لأن جذورنا آمنت بنا وأغصاننا ارتفعت بنا، غذّتنا الأوراق وأنارت لنا الشمس حياتنا، أنارتها برفق وحنو كان نورها حنوناً يداعبنا.. لطيفاً يُظهر البسمة على وجوهنا، تبتسم لنا كل صباح ونردّ ابتسامتها في هدوء وسكينة ورضى.

ولأن دوام الحال من المحال، اشتدت الشمس فأجهدتنا وأطفأت لوننا.. ربما ظنت أنها ستحوّل ابتسامتنا إلى ضحك، وإذ بالأمر يخرج عن السيطرة، لربما أيضاً ظنت أنها تعمل لصالحنا حين كانت تحرقنا وتودي بنا.

هل سقطنا لأن الأغصان أفلتت أيدينا أم أننا تركناها لأننا تعبنا من حرارة الشمس؟ لربما في حين فكرنا أنها خذلتنا كانت هي أيضاً تبكي لأننا خذلناها، ألم تحترق كما احترقنا؟ ولكنها لم تتركنا مع ذلك.

خذلناها؛ لأننا لم نكن أقوياء كفاية للتمسك بها؛ لأنها احتملت ضعفنا ولم نحتمل غلظتها، وربما أيضاً كلانا ضحية لشيء أكبر منا، شيء لا نعلمه.

الرياح تعصف بنا وتلقي بنا بعيداً ونحن نمضي معها بلا مقاومة، ومن أين لنا بمثل ذلك ونحن ضعفاء! وزاد علينا أنه قد بلغ منا الجهد أقصاه، ويبدو أننا أيضاً تخلينا عن أنفسنا، ها نحن ذا هنا في وسط العاصفة تحديداً، تلقي بنا يميناً ويساراً.. تتركنا تارة وتمسكنا تارة أخرى ونحن لا نكترث كما لو أننا بلا روح، ومن أين لنا بالروح وقد تخلت عنا منابعها أو تخلينا عنها لا ندري؟!

ربما كانت الرياح تداعبنا أو حتى تحاول ان تساعدنا وتعلو بنا مرة أخرى ونحن لم ندركها؛ لأننا تخلينا عن أنفسنا، ربما كانت ستنجح في مساعدتنا لو أننا أردنا حتى النهوض.. ولكننا أدركنا كل ما جرى بعد رحيلها، هكذا تمر الفرص من أمامنا ولا ندركها، حتى إننا نربطها بذكريات آذتنا وربطناها بالكُره.

كانت الأمطار تغدق علينا بالكرم والمحبة، لكننا لم نبادلها؛ لشدة ما مررنا به، فعبرنا تحتها دون أن نعيرها اهتماماً أو نبادلها الحب.. ربما أحببنا اهتمامها ولم نفصح حتى فات أوان الإفصاح.. كانت تدب فينا الحياة من جديد، ولكننا كنا مشغولين بهمومنا واستيائنا ورفْضنا، كنا نفكر فقط فينا حين كانت تفنى لأجلنا، اعتبرنا وجودها دائماً واهتمامها لا نهاية له، ولم ندرك أنها ككل شيء سترحل يوماً؛ لهذا أنانيتنا وحب الذات هما أسوأ ما فينا، غادرت لكنها أنبتتنا.

ها نحن ذا نبدأ من جديد.. قررنا النهوض أخيراً، ننفض الغبار عنا ونحاول إصلاح ما أفسدناه يوماً ما.. عثرنا ولكننا سننهض ونكمل السير.. سنزهر من جديد سيعود لوننا أجمل مما كان.. هذه المرة سنتمسك نحن بالأغصان ولن نفلتها حتى لو أرادت، سيكمل بعضنا بعضاً مرة أخرى.

أقنعنا الشمس بأن حنانها هو ما ينفعنا، وأنها قد تؤذينا من فرط الحب والاهتمام، وها هي لطيفة تحنو كما كانت، سمحنا للعصافير بأن توصل زقزقاتها إلى مسامعنا وتضفي على حياتنا لحناً أكمل لوحتنا، لن نحزن على ما مضى من أيام؛ لأنها جعلتنا أقوى، علمتنا أن نتمسك وألا نفلت اليد التي أمسكت بنا.. إذا كانت ستعصف بنا الحياة مرة أخرى فلنسقط معاً وننهض مرة أخرى معاً كذلك.

ربما لن تعود أمطارنا، لكننا دائماً وأبداً سنتذكرها، سندين لها دائماً بما نحن عليه.. سنذكر أنها علمتنا كيف يكون الحب والتضحية.. ستلاحقنا كظلنا وترشدنا إذا أضعنا الطريق، إنها هنا دائماً متربعة على عرشها بداخلنا..

بدأنا بالربيع؛ لأننا حتماً ولا بد سننتهي به، هذا يقيننا في مُبدع اللوحة ومسيّر الأمور.. وهو كان وسيكون دائماً عند ظننا به.

البداية… لأنه لا وجود للنهايات.. هناك دائماً بدايات، فقط لو ندرك..

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد