الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. إمام مُجدِّد أم تكفيري مُبدِّد؟

فقد وجدتُ الشيخ إماماً في التكفير! كان يكفِّرُ المسلمين بالجملة، ثم حمل السلاح لقتالهم، حيث وصفهم في كتبه ورسائله بـ"أعداء التوحيد"، وكان يصفُ اعتداءاته عليهم وسفكه دماءهم بـ"الغزوات"!

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/22 الساعة 06:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/22 الساعة 06:08 بتوقيت غرينتش

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد، فإنّ ظاهرة التكفير والعنف التي تجتاح مجتمعاتنا الإسلامية لا تحتاج إلى بعيد نظر، أو عميق تأمل إزاء محاولة فهم أسبابها وتحليل عللها، فحالُ الأمَّةِ لا يخفى على من عنده مسحة من عقل!

لقد نشأتُ منذ نعومة أظفاري حريصاً على حفظ القرآن الكريم وتلاوته، ومتعلقاً بالمساجد محبّاً لأهلها، كنتُ أرى فيهم الرحمة بغيرهم والحنو عليهم، وأدركتُ بفطرتي أن الإسلام وسيلةُ هدايةٍ يخرجُ الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، وليس محكمة تفتيش تصادرُ على الناس، وتُصْدَرُ فيها الأحكام المتجنية على إيمانهم، ولهذا فقد كان يحزُنُنِي أن ألتقي التصنيفيين من الشباب المتحمس الذين كانوا حُدَثَاءَ عهدٍ بالتدين وبارتياد المساجد، وكانَ بعضُهم -بكل أسف- يتخذ من تديُّنه سُلماً ليستعلي به على الناسِ ممن يسميهم أصحاب المعاصي!

لم أكن أعرف وقتها كثيراً عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب سوى ما كنتُ أسمعه عنه، وعن تصديه للبدع التي انتشرت في شبه الجزيرة العربية، وعشتُ سنواتٍ أصف الرجل بالإمام وبالمجدد.. تقليداً لا تحقيقاً، وسماعاً عنه لا منه، لا سيما أني كنت قد قرأتُ بعض ما كتبه ككتاب "التوحيد" وشرحه "فتح المجيد"، ولستُ أذكرُ أني قد وقفتُ عندها على شيء يُشين الشيخ، أو يخالف الكتاب والسنّة والإجماع.

ومكثتُ على هذا الحال سنوات خلت، أبرِّئُه مما يرميه به الخصوم من الشيعة والأحباش -تقليداً لا تحقيقاً كما أسلفت- ولعلَّ خصومة هؤلاء له، كانت هي المانع الذي حال بيني وبين رؤية الحقيقة على وجهها الذي أصبحت أراه الآن!

لأننا تربينا في عالمنا العربي على إشكالية القيم المطلقة (Absolute values)، فما دام السهم يأتي من الجهة المقابلة، فهو لا شك مسموم! وخروجُ الاتهام من ناحية الخصوم، يكفي لبراءة المتهم وبياض صحائفه في العموم.

بل كنتُ أعتذرُ به عنه قائلاً لنفسي: وأما ذلك الغلو والتعصب الذي يتسم به أتباعه ممن أعملوا المباضع في كل أحدٍ فلم يَسلم منهم أحد، وشنوا الغارة تلو الغارة، على المتقدمين تارة وعلى المعاصرين تارة- فلا يُسأَلُ الرجلُ عنه، وهل يسأل صاحب "الدعوة الإصلاحية" عمَّا أصابَ دعوته من شطط بعد وفاته بنحو قرنين من الزمن؟

حتى جاءت اللحظة الحاسمةُ التي قرأتُ فيها كتاب "تاريخ نجد" لمؤلفه حسين بن غنام أحد أهم مؤرخي هذه الفترة، فشاب شعرُ رأسي لهول ما قرأت! الأمرُ الذي دعاني إلى أن أعود لكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأن أراجعها جميعاً، فبدأتُ بكتابه "كشف الشبهات" وعرَّجتُ على رسائله المنشورة في موسوعة "الدرر السَّنِيَّة من الأجوبة النجدية"، وعندها بدأت الصورة الحقيقية تتشكلُ في ذهني من جديد، ففهمتُ ما خفي عني، ويا لهول ما عرفت!

وباختصار، أرجو ألا يكون مبتسراً، فقد وجدتُ الشيخ إماماً في التكفير! كان يكفِّرُ المسلمين بالجملة، ثم حمل السلاح لقتالهم، حيث وصفهم في كتبه ورسائله بـ"أعداء التوحيد"، وكان يصفُ اعتداءاته عليهم وسفكه دماءهم بـ"الغزوات"! ويسمّي نهب أموالهم "الغنائم"، التي كان يحصل مع شريك صفقاته على خُمسها!

يقول: "وأنا أخبركم عن نفسي.. والله الذي لا إله إلا هو، لقد طلبت العلم، واعتقد من عرفني أن لي معرفة، وأنا ذلك الوقت، لا أعرف معنى لا إله إلا الله، ولا أعرف دين الإسلام، قبل هذا الخير الذي منّ الله به، وكذلك مشايخي، ما منهم رجل عرف ذلك".
انتهى كلامه من كتاب "الدرر السَّنِيَّة من الأجوبة النجدية".

والشيخُ بهذه الجملة، يثبتُ أنه منقطع السند، منبتُّ الجذور العلمية، ويتهمُ المشايخ والعلماء الذين تربى هو نفسه على أيديهم (حيث نشأ في أسرة علمية متدينة) حين ينفي عنهم المعرفة بدين الإسلام! بل ينفيها عن نفسه بنفسه! اللهم سوى في لحظة معينة.. ضربه فيها زلزال التكفير، فانطلق يكفّر ويستحلُّ الدماء المعصومة بعصمة الدين.

ثم يقول بعدها مباشرةً وفي الكتاب نفسه: "فمن زعم من علماء العارض (الرياض حالياً) أنه عرف معنى لا إله إلا الله، أو عرف دين الإسلام قبل هذا الوقت (اللحظة التي ضربه فيها ذلك الزلزال العنيف) أو زعم من مشايخه أن أحداً عرف ذلك، فقد كذب وافترى، ولبس على الناس، ومدح نفسه بما ليس فيه" انتهى كلامه.

قلت: لا أحد يعرف دين الإسلام سواه! حتى مشايخه الذين علّموه الدين وحفظ القرآن على أيديهم؛ بل حتى هو نفسه قبل هذه اللحظة الدخيلة عليه، ففي هذه اللحظة.. وفيها فقط.. أصبح هو.. وهو فقط.. المتحدث الرسمي باسم الإسلام.. والمخول بسلطان الله الذي انتزعه لنفسه بنفسه.. في تعريف الناس بدين الإسلام.. وليس في الكهنوت والاستبداد الديني أصرح ولا أوضح من هذا.

ربما ظنَّ المُعارضُ أنني قد وقعتُ في مغبة الانتقائية، فأخذتُ بعضَ النتفِ من هنا أو من هناك، فأقول: قد أجبتُ على كلِّ هذه المعارضاتِ وعلى غيرها في بحثٍ كنتُ قد أعددتُه منذ شهور، وهو منشورٌ على شبكة الإنترنت بنفس عنوان هذا الموضوع، وأنا أدعو القارئ المهتم إلى قراءته، وأرحِّبُ بمناقشته وانتقاده لمن رأى في نفسه القدرةَ على ذلك.

وقد قمتُ بتقسيم البحث إلى تسعة أبواب، حيث تناولتُ في الباب الأول منه بذرة الاستبداد الديني التي بذرها الشيخ وأتباعه، ثم في الباب الثاني، ذكرتُ المقدمات الثلاث الفاسدات التي أنشأ عليها الشيخُ طريقته في التفكير ومنهجيته في التكفير وهو الباب الأهم من البحث، حيث قسمته إلى ثلاثة فصول: الأول: قصور الشيخ في فهم معنى العبادة، حيث ظنّ أن كل ما يصدرُ من عوام المسلمين وغلاة الصوفية عند قبور أوليائهم عبادات صرفوها لغير الله، فوقع هو في مغبَّةِ تكفيرهم بغير حق، والثاني: اصطناعُهُ صورةً زاهية لمشركي مكة، حيث نسبهم لتوحيد الربوبية واختزل شركهم في اتخاذ الشفعاء والوسطاء ليهيئ مريديه لتكفير خصومه، والثالث: حيث نقضتُ فيه تصوراته القائمة على أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قاتل مشركي مكة لعلّة شركهم، وأثبتُّ فيه أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان هو المعتدى عليه وعلى أصحابه في كل مرة، حيث أخرجهم المشركون من ديارهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، فاضطر الرسول في النهاية إلى قتالهم رداً وليس ابتداءً أو عدواناً.

ثم انتقلتُ بعدها للباب الثالث، حيث ذكرتُ أكثر من عشرة أمثلة على وقوع الشيخ في تكفير المُعيّنين من أهل القبلة، ثم الباب الرابع حيث ذكرتُ أفعال الشيخ ومريديه كما ذكرها معاصروه من المؤرخين الذين كانوا يفاخرون بحمله السلاح لقتال المسلمين الذين كان يسميهم "مشركي زمانه"!

ثم الأبواب من الخامس وحتى الثامن، حيثُ قمت بالجواب على معارضات الإخوة القراء، ثم بالباب التاسع وضعتُ ملاحق البحث ويحتوي على أقوال كبار علماء الإسلام ممن حكموا على الرجل بضلال أفكاره، وفساد أقواله، وخارجية أفعاله، ثم ختمت البحث بخاتمةٍ ذكرتُ فيها آثار الرجل، الذي أراه المسؤول الأول عن تيار عريض ضرب الأمة بغلوائه فأصابها في مقتل، حتى وقعت الفُرقةُ وانتشرت الخلافاتُ العصبية والتصنيفات المتشنجة والأحكام السلطوية، وتعددت الفرق والأحزاب والجماعات تعدد افتراق لا تعدد تنوع، ووقع شباب الأمة ومشايخها في هوس التكفير والتصنيف. وعلى الجانب الآخر.. وقع أمثالهم في براثن الإلحاد بعد أن عاشوا صراعاً مريراً بين فطرتهم السليمة والأقوال الغالية المنسوبة لدينهم على أيدي أتباع ذلك التيار.

لو كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رجلاً عادياً كآلاف المشايخ الذي يمتطون صهوات منابر بلادنا العربية والإسلامية.. فيشنّفون الآذان بدعوات الأحادية وتكريس الكراهية! لما أعرته شيئاً من اهتمامي، فكيف به وهو رغم كل ما أحدثه، وبعد أن وضع لبنة التصنيف وبذر بذرة التكفير المعاصر، وأسس لواحدة من أخطر مدارس العنف والعصبية ولدد الخصومة، ثم هو يوصف بالإمام! وبالمجدد! بل وبشيخ الإسلام!

أدعو القارئ الكريم لمطالعة ذلك البحث المتواضع الذي أشرتُ إليه، فإن كنت -أخي القارئ- تراني قد أسهمتُ ببحثي هذا في صد الناس عن التدين وعن اتباع سبيل المؤمنين، فقد أبعدت النجعة..!

وأنا أراني بهذه المقالات، أحول بين الناس وبين الوقوع في براثن الغلو والاستبداد والتطرف والتكفير، وأرجو بها الأجر والمثوبة من الله تعالى، وأن تكون من العلم الذي يُنتفع به؛ لتكون صدقة جارية تنفعني بعد موتي وقضاء نحبي، فذلك رأيي في مقابل رأيك، ورأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب
((إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) صدق الله العظيم.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد