انتشرت بالمغرب في السنوات الأخيرة ظاهرة اغتصاب الأطفال؛ حيث تُشير دراسات سابقة نشرتها بعض الجمعيات الفاعلة في مجال الدفاع عن حقوق هذه الفئة، إلى أنَّ متوسط هذه الجرائم هو وقوع ثلاث عمليات اغتصاب يومياً في حق أطفال المملكة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ هذه الأرقام تُركز فقط على المناطق الحضرية الكبرى، بالإضافة إلى أنها تخص الحالات التي تم الإبلاغ عنها، وعليه، فإن ذات التقارير تؤكد أنَّ الأرقام لا تَعكس الواقع، على اعتبار أن نسبةً ربما تَكون كبيرة من الأسر لا تُبلغ عن جرائم الاغتصاب التي وَقعت لأبنائها.
قبل سنتين، وأنا أتصفح جرائد الصباح في العمل، شَعَرْتُ بصدمة كبيرة جراء خَبَر يَتعلق بحكمٍ قضائي حُدد في سنتين ونصف على مديرِ مدرسة خاصة اغتصب أربعة أطفال تقل أعمارهم عن خمس سنوات، والإشكال الآخر أن المدير تم تمتيعه بظروف التخفيف نظرا لعدم سوابقه!
حينها خرجت من المكتب إلى الشارع هرباً من هول الصدمة، كنت أرتعش قلقاً وغضباً، ولم أجد ما يُنفس شيئاً من ألمي سوى دمعات من العين سقطت، تخيلت ألمَ أسَر الضحايا، وهُمْ يَسمعون هذا الحكم "الجائر" في حق أنفسهم، و"المتهاون" مع وحش انتهك حرمة جسد أطفالهم وحطم شيئاً في أرواحهم لن يَسهل نسيانه أو مداواته، كان بودي أنْ أقول لهم: "لكم القانون والقضاء والعدل"، لكن خرجت العبارة متثاقلة منكسرة وهوت على أذني وكأني لست قائلها حين نبست شفتاي بألم: "لكم الله".
"لكم الله" هي حالة انكسار وانتظار لتدَخل السماء وعدل الآخرة، "لكم الله" هي حالة رفض للقوانين المعمول بها والتشريعات المطبقة. ولأن العبارة قد تبعث في النفس شيئاً من الاستسلام أو الرضا بالواقع، ولأني لا أؤمن بانتظار الحلول بل بالعمل على تغيير الماثل من السلوك الشاذ والفعل الشائن، فإني كنت وما زلت أطالب بتغيير القانون الجنائي لجعل العقوبات المرتبطة بجرائم الاغتصاب أكثر تشديداً وعدلاً وإنصافاً.
وعليه.. لماذا لا نُفكر في عقوبة أخرى تَكون رادعة لتلك الذئاب المتربصة بالبراءة والطفولة، هذه العقوبة هي "الإخصاء" الكيميائي، وهي عقوبة لم نجربها بعد في عالمنا العربي ويجب على البلدان التي تعرف اتساعاً وتطوراً في جرائم الاغتصاب كما هو واقع بالمغرب التفكير فيها بشكل جدي وعلمي.
إن الإخصاء هو عقوبة لشخص انتهك أقدس ما يمتلكه كل إنسان: كرامته؛ إنها عقوبة لشخص اعتدى على إنسان ليس بمقدوره الدفاع عن نفسه وحمايتها؛ إنها أيضاً عقوبة لأولئك الذين كان من مهامهم الإنسانية والقانونية حماية الطفولة، فإذا بهم يخونون الواجب والوظيفة الاجتماعية الموكولة إليهم ويجرمون في حق الحاضر والمستقبل؛ إنها أداة تُرهب نفسياً واجتماعياً أولئك الذين لا يهمهم سوى تحقيق نشوة لا أثر لها زمنياً في عمرهم، باقية آثارها الجارحة في نفوس الضحايا ما بقيت الروح تسري في أجسادهم، إنها حماية للمجتمع قبل أن تكون مجرد عقوبة للقطع مع اختلال ماثل، أو تحقيق عدل مأمول.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.