مُذكرات عربي في ألمانيا النازيّة! “1”

يقول مروّة: "كل ما أذكره أن عروبتي حلت مشكلة البطاقات، إذ قدمت لي الفتاة البائعة الطعام بلا بطاقات، وذهبت في السخاء إلى أبعد من ذلك، فرفضت أن تتقاضى الثمن".

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/15 الساعة 08:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/15 الساعة 08:14 بتوقيت غرينتش

لا أعرف صورة لهتلر انتشرت في عالمنا العربي وفي فلسطين، كصورته مع الحاج أمين الحسيني، في الوقت نفسه الذي تجد أكثرنا لا يعرف لماذا اضطر الحسيني للجلوس مع هتلر أصلًا، كما نجهل أن العقاد كتب كتابًا في نقد هتلر والنازية اسمه "هتلر فى الميزان"، كما لا نعرف أن الصحفي اللبناني كامل مروّة زار ألمانيا النازيّة سنة 1942 ودوّن مشاهدته فيها بشكل مُبدع، يجعلنا نعيش معه تلك الحقبة التاريخية، بكُل تفاصيلها وذلك في كتاب "بيروت برلين بيروت"، حيث كتب عن المخابرات الألمانية في بلغاريا، كما كتب كيف أحاطت به ثلة من الفتيات لأنه "عربي" بل وخصص عدة صفحات من كتابه للحديث عن اضطهاد اليهود في ألمانيا، كما تحدث عن غلاء أسعار القهوة بشكل جنوني ولحظات قضاها تحت القصف.. لا تُنسى!

الفيزا الألمانية

في 11 شباط 1942 وصل "كامل مروّة" الحدود البلغاريّة قادمًا من تركيا مع "فيزا ألمانيّة" وكان مُتحمسًا لرؤية و"دراسة" الجندي الألماني، الذي كان قد ذاع صيته في تلك الأيام، فقيل له إن الألمان تركوا للبلغار الحدود وانتشروا في البلاد، وبالفعل فما إن عبر إلى قرية "سفيلنغراد" حتى وقعت عيناه على أول جندي ألماني، فراح يتأمل ولكنه لم يجد فيه شيئًا "خارقًا"، ولا ما يجعله يُبدّل رأيه في أن الإنسانيّة واحدة!

كانت تلك بداية "سقوط الأقنعة"، حيث كُتب لمروّة أن يتعرف في تلك القرية البلغارية ولأول مرّة على ما كان يُسمى حينها بالغستابو، وهو "الذي ترتجف القلوب هلعًا لذكره"، وهو اختصار لكلمات "غيهايم شتات بوليتساي" ويعني "بوليس الدولة السري" أو "المخابرات"، ليكتشف أن أحد الفتية الذين تحدث معهم عن "الألمان" كان صورة من الغستابو، بل ووجد أن ألمانيا كان تعطي بعض الاجانب "الفيزا" كطُعم للإيقاع بهم في شباكها!

النُكتة أن الكاتب لم يكن يرغب في الواقع بالسفر إلى ألمانيا، ولا حتى النمسا، بل إلى داكار، ولكن المخابرات النازيّة طلبته في فيينا. وفيينا لم تكن في تلك الأيام نمساويّة، بل "ألمانيّة" لأن ألمانيا كانت قد "احتلتها" ولم يكن مجال لرفض الطلب، ودخلها مروّة في آذار 1942 ليجد نفسه أعجوبة القرن!

في محطة القطارات، لم يكن شراء رغيف بالمسألة السهلة وقت الحرب، بل كان يجب على المشتري أن تكون معه بطاقة خاصّة، ومع ذلك فما إن علمت البائعة أنه عربي حتى "انطلقت من حنجرتها شهقة وأرفقتها بعبارة ألمانية، تشبه في لغتنا: بسم الله الرحمن الرحيم" وراحت تتعجب قائلة: "أنت عربي؟ أبيض؟ أين العمامة؟ أين الجمل والصحراء؟ كم زوجة لك؟ هل أنت أمير؟ ألا تزالون تقبلون أيدي بعضكم البعض؟ ولم تكتف بالأسئلة بل راحت تنادي رفيقاتها وتصيح: هذا عربي! هذا عربي!

يقول مروّة: "كل ما أذكره أن عروبتي حلت مشكلة البطاقات، إذ قدمت لي الفتاة البائعة الطعام بلا بطاقات، وذهبت في السخاء إلى أبعد من ذلك، فرفضت أن تتقاضى الثمن".

هذا لا يعني أن النازيين كانوا "يعشقون" رائحة العرب، بل ويأتمرون بأمرهم كما يُحاول بعض الصهاينة من أمثال نتنياهو الترويج له، بأن "المفتي أقنع هتلر بالمحرقة" وأن العرب تعاونوا كثيرًا مع النازيّة في سبيل ذلك، إلا أن من يقرأ لـ"مروّة" وهو من النُشطاء السياسيين المقربين من الحاج أمين الحسيني سيجد في حديثه عن اضطهاد اليهود استنكارًا واضحًا!

يقول: "قد رأيت مرة في سنة 1943 قطارًا يحمل يهودًا من سالونيك "شمال اليونان" واقفًا في احدى محطات سلوفاكيا وكان ركاب احدى العربات يتدافعون أمام حوض ماء ليشربوا، ثم يعودوا سراعًا إلى العربة تحت الرقابة، فيضغط بعضهم بعضًا كي يتوفر لهم جميعًا مكان فيها" ويُعلق قائلاً: "كان ذلك مشهدًا مؤلمًا للغاية"!

ويستمر في تأملاته فيما سمّاه "أنصاف اليهود"، فقد جمعته الصُدف بفتاة يهودية راحت تشكو له همومها، كان اليهود يرفضونها لأنها نصف يهودية والألمان يرفضونها لنفس السبب، مع أنها أكدت له أنها كانت ناشطة فاعلة عند تأسيس الحزب النازي وكانت من المتحمسين له، ويبدو أنها لم تكن وحدها، فحين قامت المخابرات باستدعائه في فيينا، تعجب من وجود بعض اليهود هناك فقيل له إنه رغم كُل ما يحصل إلا أن هناك منهم من لا يزال يقدم العون للنازية.

أحد الأسئلة التي أثارته في رحلته، هي إن كان اضطهاد اليهود معضلة تقف عند كراهية النازيين لليهود، فكان يرجح أن الإجابة تكمُن في أنها لا تقف هناك، بل تكمُن في التشابه في النظريات العنصرية للطرفين، إذ إن اليهودي نازي في عنصريته إلى أقصى حدود النازيّة.

الأهم لربما، أن مرّوة لم ير أن اضطهاد اليهود مُعضلة فقط، بل كان واعيًا بعلاقته المُباشرة مع تزايد الهجرة الصهيونيّة إلى فلسطين، ولهذا راح يُذكر القارئ أن السياسيين العرب في برلين راجعوا الألمان في هذه المسألة، ولكن "هذه المراجعات لم تلاق يومًا أُذنًا صاغية!" كما أكد، وراح يتعجب أشد العجب كيف سمحت ألمانيا لأكثر من 50 ألف يهودي بمغادرة أراضيها بين 1940 و1944، وهي لم تكن تسمح لأحد بالخروج!

هذه التدوينة منشورة على موقع الجزيرة مدونات

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد