داخل الجمعية بنفرين!

ثم تنتفض حواء من جديد، فأجدني أهرب من شعوري بالمسؤولية "عن" البيت والأولاد، بحثا عمن أكون مسؤولة "منه" كما نقول بتعبيرنا المصري العامي، حتى لو كان ذلك في أبسط الأمور، كقيادة السيارة، فكم حلمت بأن هناك من يقود السيارة بدلا مني، يقودها لي لمسافات طويلة، في صمت! كم حلمت "كآدم وكحواء" بمن يعد لي كوبا من الشاي! إنها أضغاث أحلام علي ما يبدو.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/13 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/13 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش

رجل من المريخ ونساء من الزهرة.

وهناك كائن ثالث، يزداد عدده كل يوم.

رغما عني وضعت في فئة الأرامل، وأنا على أول خطوة في مرحلة الثلاثين.

لعل هذا خير لي، فقد أوصلني سريعا إلى مرحلة من النضج الفكري، وقدرة على التحمل عالية، لا شك ساهم في تشكيلها فترة زواجي من رجل يمتاز بالعملية والتنظيم الشديد لمدة 12 سنة.

وبغياب أحمد "زوجي رحمه الله"، فقد فرض علي "دخول الجمعية بنفرين!" أي أن أجمع بين دورين متناقضين، لكائنين مختلفين كليا، وهما دورا الأب والأم، آدم وحواء، لأكون شيئا أشبه بالكائن الثالث، الكائن الشامل!

وفي عالمنا العربي المجنون، الذي وضعت فيه المرأة في مساحة رد الفعل، وتحمل نتائج أفعال الرجال وصراعاتهم، دون أن يكون لهن فرصة كبيرة أو حقيقية للاشتراك في هذه الصراعات،

وفي عالمنا العربي المجنون، الذي وضعت فيه المرأة في مساحة رد الفعل، وتحمل نتائج أفعال الرجال وصراعاتهم، دون أن يكون لهن فرصة كبيرة أو حقيقية للاشتراك في هذه الصراعات، فإن الآلاف من النساء، وغالبيتهن في ربيع العمر، قد صرن بين أرامل ومطلقات، وبعضهن لا يزالن متزوجات اسما، ولكن فرض عليهن أن يلحقن بأخواتهن من الأيامى، ويلعبن دور "الكائن الشامل" نظرا لغياب الأزواج في بلدان أخرى غالبية الوقت، سعيا للرزق، أو هربا من المسؤولية، أو مزيجا من الاثنين.

(2)

شعور الكائن الثالث أو الشامل هذا شعور لا يخلو من متعة وطرافة، وبعض الإثارة والتشويق، لكنه شاق وصعب جدا من الناحية الواقعية والنفسية.

عند تحولي هذا، نظرت للرجل والمرأة في كثير من الأمور، كل منهما علي حدة، وأدركت تماما مدى عمق الاختلاف بين الكائنين، أدركت لماذا اعتبرهما جون جراي كائنين من كوكبين مستقلين، في كتابه الشهير "آدم من المريخ وحواء من الزهرة".

ظهر هذا الشعور في مواقف حياتي اليومية، ظهر في تقييمي للأمور كأنثى، والذي يختلف عن تقييم الأمور كرجل، ظهر تحديداً في مواجهة المشكلات و كيفية حلها، وماله علاقة بالشكوى والبكاء، في مواجهة احتقارهما، والاتجاه مباشرة للحلول العملية.

(3)

عند وقوع مشكلة ما، وككائن شامل، يغلب علي طبع الرجل أولا، لذا أجدني أرغب تماما في دخول الكهف، الخالي من البشر، وأقدم النظر للحلول، على الاكتفاء بالتفكير في المشكلة، لا أطيق النقد أواللوم المستمر من "الإناث في حياتي"، وأهمهن ابنتي الكبرى، التي ما إن ألمح نظرة اللوم في عينيها، حتى أستشعر حجم الألم الذي يعانيه الرجل حين يضطر لسماع "وصلة" أو محاضرة من الأنثى من لوم وتقريع، وإلقاء للمسؤلية عليه، إلى آخر ما كنت أمارسه كأنثى مع زوجي رحمه الله.

ثم تغلبني حواء بداخلي من جديد، فأجد رغبة شديدة في تفريغ مشاعري هذه المثقلة بالمشكلة، والبحث عن آذان صاغية لأحكي لها، من باب الحكي فقط دون انتظار لحلول.

ثم يغلبني الرجل بداخلي من جديد، فأكره النصيحة المباشرة، التي تلقى علي من حكماء الجبال السبعة دون أن أطلبها منهم، وإنما

أحب كرجل أن ألجأ بكامل إرادتي لمن أراه أهلا للنصيحة، لأسأله مباشرة باقتضاب الرجال واحترافيتهم.

(4)

في المنزل:

أستمتع كرجل بقيادتي للبيت، بكوني مسؤولة عن كل شبر فيه، فكم هو شعور ممتع ألا أحد فوقك، وأنك المالك المتصرف في كل شيء، صاحب القرار الأوحد.

ثم تنتفض حواء من جديد، فأجدني أهرب من شعوري بالمسؤولية "عن" البيت والأولاد، بحثا عمن أكون مسؤولة "منه" كما نقول بتعبيرنا المصري العامي، حتى لو كان ذلك في أبسط الأمور، كقيادة السيارة، فكم حلمت بأن هناك من يقود السيارة بدلا مني، يقودها لي لمسافات طويلة، في صمت! كم حلمت "كآدم وكحواء" بمن يعد لي كوبا من الشاي! إنها أضغاث أحلام علي ما يبدو.

ثم أفتخر " كآدم وكحواء في ذات الوقت" بشعور الحرية، حرية في الخروج، حرية في الإنفاق، حرية في الملبس.

وأفتخر كرجل أني أصنع كل شئ بنفسي، دون طلب معونة أحد، فكم أصبحت كرجل أرى الاستضعاف وطلب المعونة أمورا كريهة، أكره حالة الضعف ونظرة الشفقة في أعين من حولي، أكره الشكوى المستمرة، لا أمارسها، ولا أحتمل سماعها، و أرغب في المجمل من الكلام، دون الدخول في التفاصيل.

ثم تغلبني حواء، فأجدني راغبة في الشكوى والاستفاضة في التفاصيل دون طائل، سوى البحث عن الراحة عن طريق التفريغ.

(5)

أصبحت أدرك حالة القلق عند الرجل في الأمور المالية.

كم من المشاكل تقع بين الزوجين بسبب هذه النقطة. شعرت كرجل بحجم المسؤلية الضخمة في هذا الأمر، وجدتني مسؤولة عن توفير المال اللازم لبيت مكون من أربعة أفراد، لا تنتهي طلباتهم، من مأكل وملبس، وتعليم وممارسة رياضة….

كما وجدتني حريصة علي توفير المال للمستقبل، لي ولأبنائي حتى نستطيع العيش في هذا الكوكب المجنون، إنها مسؤلية ثقيلة وأمانة رهيبة، مرعبة حقا، ثم تغلبني الأنثى فأجدني أرغب في الإنفاق وإمتاع نفسي وأبنائي دون التفكير في المآلات، التي يشغل الرجل ذهنه بها طيلة الوقت.

(6)

حتي أحلامي صارت شاملة. أحلم بنفرين!

الرجل بداخلي يحلم بمنزل كبير و سيارة فارهة، وامتلاك أحدث الوسائل التكنولوجية، وحواء تنزعج من هذا كله، وتنحصر أحلامها في منزل جميل يحوي حديقة وأزهارا، مزينا بتفاصيل ديكورية رقيقة لا يفهمها الرجل.

أنظر إلى أبنائي الصبيان، كأب يطمح أن يكون أبناؤه أقوياء متحملين المسؤولية، مقاومين للظلم.

ثم أعود لأنظر إليهم كأم، تخاف عليهم، وترغب أن تضعهم في صندوق، حفاظا عليهم من الكوكب المجنون.

إنه مزيج عجيب، كائن خرافي شامل، ولكنه صقل خبرتي، وجعلني أكثر إدراكا للاختلاف بين الطبيعتين، بل بين هذين الكائنين المستقلين.

ربما كان تبادل الأدوار ولو في الخيال معينا للرجل والمرأة على حد سواء، ليفهم كل منهما الآخر، ويتفهم كل منهما احتياجات وخصائص شريكه، ثم ليفهم كل منهما أن هناك كائنا ثالثا يعيش معهم في نفس المجتمع، كائنا ثالثا شاملا، أو بالبلدي "داخل الجمعية بنفرين"!

– تم نشر هذه التدوينة في موقع الجزيرة مباشر

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد