تقترح عليَّ أمي لزوجي (حماتي) أن أترك معها "صهيب".. ستدخله أفضل مدرسة وعمه أحمد يذاكر له.
أردُّ في انزعاج: أترك لكم ابني.. قطعة من قلبي؟!
تردُّ في هدوء: أنا تركت لكم ابني منذ سنوات!
أبدأ في تجهيز وجبة أطفالي للحضانة.. يأتيني الصغير "سلمان" قائلاً: من فضلك، أضيفي قطعة كيك أخرى لـ"روزي".
ترتسم على وجهي ابتسامة سخيفة وأردُّ في ترحاب مصطنع: طبعاً يا حبيبي.
تحدثني نفسي: من تلك الـ"روزي" التي يهتم لأمرها ذلك الـ"مفعوص"؟!
يشغلني كثيراً أمر الحموات.. كيف لأمٍّ -مهما كان مستواها التعليمي أو الفكري- أن تقبل أن يصبح فلذة كبدها ملكاً لامرأة أخرى؟ وقته.. ماله.. اهتمامه.. قلبه..
أشعر بالارتباط الشديد بأولادي.. وينفطر قلبي عند غيابهم عنى ساعات معدودة.. أسهر.. أنظف.. أطبخ.. أذاكر.. أعلّم القرآن.. وأمرض فلا أكترث أبداً لذلك المرض إذا ما طلب أحدهم مثلاً الكيك الذي يحبه أو العصير الذي يفضله.
بغض النظر عن القيام بأمور الأولاد ورعايتهم، فإن ما يشغلني حقاً هو أمر القلب، كيف للأمهات أن يتحملن غياب أبنائهن؟! كيف لهن أن يقبلن فكرة سفر هذا الابن أو ذاك؟! كيف لهن حتى أن يتعاملن مع سكن الابن في منزل منفصل لا يتقابلون فيه يومياً؟!
أرى حماتي عندما تأتي لتقيم معنا أياماً قليلة.. تهتم لأمر زوجي، تستيقظ مبكراً تُعدُّ له الفطور.. تساعده في أعماله التى ينجزها في المنزل.. تنتظره ليلاً حتى عودته من عمله،
تقف في المطبخ تعدُّ له صنفاً من الأصناف التى يحبها ولا أعرف أنا طريقة إعداده.
أرى فيها نفسي.. أنا أفعل كل ذلك مع "صهيب" و"سلمان" مع فارق.. أنها سترحل إلى بيتها بعد أيام.. أما أنا فسيظل أولادي معي.. في بيتي وتحت عيني.
أهمُّ في وقت ما أن أقول لزوجي (بعصبية): لماذا تفعل أمك كذا؟!
فتلاقي عيناي عيني "صهيب" الصغير ذس السنوات الست. فأسرح بخيالي لأجده -بعد سنوات قليلة ستمر سريعاً- تقف أمامه فتاة شابة اخترناها "ذات دِين" لتقول له (بعصبية): لماذا تفعل أمك كذا؟!
ترعبني فكرة "افعل ما شئت.. فكما تدين تدان".
لا أدّعي أن بِرَّ الحموات سهل، ولا أنكر أن حماتي من النوع الذي يساعدك على بِرّه بعقلها الشديد وهدوئها.. لكن أقول إنه ليس أقل من حثِّ ولدها على برها حتى إن لم أستطع أنا فليكن ولدها وأبناء ولدها.. إن لم يكن ابتغاء الأجر، فعلى الأقل حتى أجد من يفعل ذلك معي في كبري.
ثم إنني أجدني أقبل من أمي ما لا أقبله من أم زوجي.. فلِمَ الازدواجية؟! كلتاهما كبيرة سنّ.. رقيقة قلب.. كلتاهما خاضت في الحياة ما لم نخضه نحن وما لا نعرف عنه حتى الآن.. كلتاهما تلقي بالنصائح هنا وهناك، سواء طلبناها أم لم نطلبها.
كلتاهما أمٌّ.. وكفى.. أجد أن ذلك كافٍ جداً حتى أترك ولدها يتصرف معها كيف يشاء.. يمازحها.. يسامرها.. يخرج معها وحدهما.. يهاديها بالغالي والنفيس، فذلك بالضبط عين ما أتمنى أن يفعله أخي -مثلاً- مع أمي.
إنني حقاً أدعو الله أن يرزق حماتي الغالية طول العمر وحسن العمل.
أقبِّل رأسها.. وأدعو لها.. أدعو الله أن يزودني بالقوة التى تتحلى بها حماتي عندما يتزوج أولادي.. وأدعو الله أيضاً ألا تكون نظرتها لي -في نفسها- كنظرتي لتلك الـ"روزي".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.