عروسة لُقطة جداً

لكنه في النهاية يبقى كتاباً في منتهى السوء لا يطيقه بشر، لكن الخوف من المجهول والأمل في أن يغير كل طرف الطرف الآخر وفق معاييره تدفع الجميع للمضي قدماً بشكل أعمى!

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/11 الساعة 07:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/11 الساعة 07:20 بتوقيت غرينتش

حين تبدئين في الدخول إلى منتصف العشرينات، يبدأ كل من حولك بالشعور بالخطر، تظهر عليهم بوادر الاستعجال تارة، والتأفف تارة، والرغبة في إزاحتك عن كاهلهم تارة أخرى، وكأنك تتناولين طعامهم، وتتنفسين هواءهم، وتجلسين كما نقول بالمصرية العامية كالـ"كبّة" على قلوبهم، وحقيقة الأمر أنت لا تفهمين لماذا، كل ما تفهمينه هو أنهم يسعون بكل شكل من الأشكال إلى انتقالك لبيت زوج؛ لأن الوقت قد حان، ولم يعُد ثمة مجال للتراجع، فأعوامك الثلاثون تقترب بقوة حباً بالله، ستكبرين بدون رجل، وهو شيء يمثل كارثة عظمى، لسبب ما لا أستطيع استشفاف كُنهه في الواقع!

لكن مشكلتي الأساسية ليست مع هذا على الإطلاق، فحين يألف الإنسان في حياته تقليداً أعمى يتسم ببعض الغباء وتتاح له بعض المساحة الحرة لمقاومته، يتحول الأمر إلى مُزحة، تبدئين في عدد الخُطاب القادمين لمنزلك وحصر أعدادهم والتندر على تصرفاتهم المضحكة في أغلب الأحيان، إنما المشكلة الأساسية في نظري هو مفهوم "عروسة لقطة" الذي يطلقه عليكِ كل من هبّ ودبّ، وفقاً لمعاييره الخاصة التي تحدد إذا ما كنتِ عروسة لُقطة أم لا، وهو ما يجعل مميزاتك وعيوبك تتغير في كل جلسة تعارُف مع عريس جديد، بغض النظر عن عيوبك ومميزاتك الحقيقية التي كنتِ تودين أن يعرفها هذا العريس بمفرده دونما حاجة لطنط سلوى صديقة والدته أو الحاجة اعتماد جارتكم.

نعم، تختلف نظرة الكل للعروسة اللقطة، وعليكِ في كل مرة أن توازي الصورة المرسومة لكِ، حتى ولو لم تكوّنيها في الواقع، وحتى لو لم تقتنعي بها من الأساس، فلبعض العرسان أنت ذات شعر طويل، لكنكِ تردين على كل الأسئلة الموجهة إليكِ في تحقيق نيابة أم العريس هذا بثقة وابتسامة عريضة، إذاً فأنتِ غير مؤهلة لتصبحي عروس ابنها بالتأكيد، وحين تحاولين تدارُك الموقف في الجلسة التالية، وتتحدثين بأقل قدر ممكن، تصبحين فتاة هادئة الطباع لكنكِ لستِ بيضاء بما يكفي، وحين تضعين المساحيق التي تجعلك بيضاء بما يكفي للجلسة التالية، تصبحين سافرة تضعين الكثير من المكياج، وحين تتحدثين عن أحلامك في تربية أولاد وبيت صغير، تصبحين غير مدركة للواقع الاقتصادي المأساوي الذي يُحتّم على المرأة المشاركة في سوق العمل، وإذا تحدثتِ عن حلمك في الحصول على منحة دراسية من جامعة أوكسفورد لدراسة الذرة يصبح طموحك أعلى بكثير من الواقع الذي يحتّم على المرأة أن تكون نهايةً لبيتها وزوجها!

دائماً ينقصك شيء ما، دائماً أنت عروسة لُقطة لكن بمعايير متقلبة جداً لا تجعلك تجرئين حتى على إظهار طابعك الخاص؛ لأنهم في الأغلب لا يعاملونك على أنك بشر، إنما على أنك ثلاجة نوفروست بضمان ثلاث سنوات، يجب أن تعمل حسبما يريدون وإلا يعيدونها للضمان للاستبدال!

يظن كل من أبوح له بآرائي في هذا الموضوع أنني أعيب على زواج الصالونات مع أنه أكثر احتشاماً وقدرةً على الاستمرار عن زواج الحب، أو باعتبار أنه يتم بإشراف من الأهل، ولذلك هو أكثر عفةً وأكثر احتماليةً لأن يتم، لكن في واقع الأمر، فإن الممارسات المهينة التي تتم تحت اسم زواج الصالونات، لا يمكن تفسيرها بأي حال من الأحوال سوى أنها بيع وشراء، حتى إنه في أغلب الأحيان، ونقول أغلب، تفادياً لتعليق رأيي على شماعة التعميم، تجد الاثنين بعد أن وفقهما الله وخُطبا، يصرحان لبعضهما بالحب والوله والعشق الدفين، مع أنهما لم يعرف بعضهما بعضاً بما يكفي في الأساس، ومع أنهما لم يريا من بعضهما البعض سوى كل ما رغب الطرف الآخر في إظهاره من محاسن لنيل القبول، خصوصاً فيما يتعلق بالعروس اللقطة طبعاً ومعاييرها، وهنا تظهر حاجة الاثنين لعيش قصة حب ملتهبة ومفعمة بالأشواق، وهو ما يحاولان إفراغه في شكل علاقة مستقيمة، لكن قوامها ليس الحب من الأساس!

وإن كان مبرر البعض لاستمرار زواج الصالونات هو أنه تمّ في العلن برضا من الله تعالى والأهل، فالمفاجأة الكبرى هي أنه يستمر بسبب الخوف، الخوف من أن يكون هذان الشخصان قد أضاعا شوطاً لا بأس به من عمرهما مع الشخص الخطأ، تماماً كمحاولاتنا المستميتة لإكمال كتاب سيئ للغاية؛ لأننا قد قرأنا نصفه على الأقل، فلماذا نترك النصف الباقي منه؟ لعلنا نجد فيه شيئاً ولو صغيراً يبرر مثابرتنا على هذه القراءة المتعثرة!

لكنه في النهاية يبقى كتاباً في منتهى السوء لا يطيقه بشر، لكن الخوف من المجهول والأمل في أن يغير كل طرف الطرف الآخر وفق معاييره تدفع الجميع للمضي قدماً بشكل أعمى!

هذا لا يحدث في حواديت الحب الحقيقي؟ بالطبع يحدث، لكنه لا يتم بمعايير معاينة البضاعة، لا يتم بالرغبة في إثبات أنفسنا بأننا نطابق المواصفات، نتحدد ضمن المعايير، ونتوازى مع صورة العروس اللقطة، لا يتم تحت شعار الزواج ستر للمرأة، ووصولها إلى الثلاثين بدون رجل يجعلها فريسة سهلة لأي رجل، لدرجة أن تُخبئ صديقاتها منها رجالهن، ولا يتطلب الإحساس بالشفقة تجاه من لم تتزوج بعد، فحباً بالله، نحن غير متزوجات فحسب، لسنا ذاهبات في رحلة إلى هضبة التيبت لننذر أنفسنا كقرابين، نحن نساء يرغبن في شريك حياة يقدرهن، يعرفهن حق المعرفة، ولسنا عروسة لُقطة!

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد