تكتيك الأمهات وأضراره الجانبية

النقطة المهمة الثانية هي أن استنجاد الأم بالأب من أجل حل المشاكل بينها وبين الأبناء سيقرأه الأبناء على أنه ضعف منها وعدم قدرة على إدارة الأزمات داخل الأسرة، وهو ما من شأنه أن يفقدهم الثقة فيها وفِي تصرفها تدريجيا إلى أن يصلوا إلى مرحلة يصبح فيها التعنت والاعتراض رد فعل مباشر على عدم ثقتهم فيها، ما قد يوصلهم في النهاية إلى التمرد الكامل عليها وعلى قراراتها.

عربي بوست
تم النشر: 2017/10/04 الساعة 09:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/10/04 الساعة 09:06 بتوقيت غرينتش

علاقة الأبناء بأمهاتهم تختلف عن علاقتهم بآبائهم، فالأم بما تتسم به من لطف وتسامح وصبر وسعة صدر تعطي مساحة أكبر للطفل ليكون على طبيعته ويتصرف بحرية أكثر.

من أكثر الأخطاء التي قد تقع فيها الأم استنجادها بالأب من أجل التدخل لحل المشاكل بينها وبين الأطفال، وهو سلوك يتكرر كثيرا في بيوتنا العربية ومن جميع الأمهات على اختلاف مستوياتهن، وعندما تسأل الأمهات عن السبب يقلن إن الأبناء وبالأخص الذكور لا يسمعون كلامهن ولا يرتدعون إلا بتدخل صارم وحاسم من الأب، وهنا لا بد من توضيح شيء مهم:

علاقة الأبناء بأمهاتهم تختلف عن علاقتهم بآبائهم، فالأم بما تتسم به من لطف وتسامح وصبر وسعة صدر تعطي مساحة أكبر للطفل ليكون على طبيعته ويتصرف بحرية أكثر، أي أن سلوكه معها ليس نابعا من تعد أو عدم احترام بقدر ما هو شعور بالحرية وبوجود مساحة تسمح له بأن يكون نفسه ويبدي اعتراضه ورفضه واختلافه بشكل أكبر، وهي المساحة التي يفتقدها لدى الأب غالبا بسبب تركيبته السيكولوجية المختلفة وعوامل خارجية أخرى مثل تعدد انشغالاته وضيق الوقت، ما يجعل علاقته بالأبناء أكثر صرامة وحسما.

وهذه في رأيي نقطة مهمة لأن الأمهات يعتقدن غالبا أن اختلاف سلوك الأبناء معهن نابع من قلة احترام أو استصغار أو ما إلى ذلك، وهذا ما ليس صحيحا، على الأقل في مرحلة أولية.

النقطة المهمة الثانية هي أن استنجاد الأم بالأب من أجل حل المشاكل بينها وبين الأبناء سيقرأه الأبناء على أنه ضعف منها وعدم قدرة على إدارة الأزمات داخل الأسرة، وهو ما من شأنه أن يفقدهم الثقة فيها وفِي تصرفها تدريجيا إلى أن يصلوا إلى مرحلة يصبح فيها التعنت والاعتراض رد فعل مباشر على عدم ثقتهم فيها، ما قد يوصلهم في النهاية إلى التمرد الكامل عليها وعلى قراراتها.

اتضح لي من خلال ملاحظة بعض هذه السلوكيات لدى الأمهات -وبعضهن سيدات متعلمات ويشغلن مناصب عالية، أي أنهن لا يفتقدن إلى الرأي الصواب والموقف المناسب- أن استنجاد الأمهات بالآباء "تكتيك" أنثوي أكثر منه احتياجا للمساعدة. وأظن أن بعض الأمهات يعتقدن أن إشراك الأب في مشاكل الأبناء وشغله بهم باستمرار وشد اهتمامه إلى الأسرة ومشاكلها سيمنعه من الالتفات إلى أشياء يخشينها أو يترك لديه مساحة وفرصة للتفكير في نفسه واحتياجاته الجانبية.

أيضا فكرة الاستنجاد به على الدوام في كل كبيرة وصغيرة هي إشارة من الأمهات إلى أنهن ضعيفات ويحتجن الآباء على الدوام من أجل توازن البيت واستقراره، وتحذير في الآن نفسه من أن البيت من دون تدخلهم الدائم لحل المشاكل وإعادة الهدوء والترتيب سيضيع، الأمر الذي يجعل الآباء يشعرون بمسؤولية أكبر تجاه الأبناء والأمهات والبيوت، ويربطهم بخيط وثيق إلى الأسرة.

تندرج هذه الخطط الأنثوية في شد اهتمام الرجل إلى البيت والأبناء ضمن وسائل شد الاهتمام السلبي، أي تماما مثلما يبكي طفل أو يرفس الأرض بقدميه أو يضرب أخاه ليلفت اهتمام أمه إليه، أو مثلما يتصرف ابن مراهق بتعنت وتمرد ليقول إنه صاحب رأي، وكما هو معروف فإن الاهتمام السلبي لا يجب أن يقابل بالإشباع والتلبية.

رغم احترامي لتكتيك الأمهات ورغبتهن في اتباع كل ما من شأنه أن يجعل الأسرة آمنة إلا أن استنجادهن الدائم بالأب مضر بصورتهن أمام أبنائهن، إذ يخلف لديهم قناعة بأنهن أضعف من أن يعتد برأيهن أو تحترم قراراتهن، والأولى والأجدر أن تحل الأمهات مشاكلهن مع الأبناء دون تدخل من الأب، وعلى الأب أن يحترم قرارات الأم ويدعمها ولا يعارضها، حتى وإن كان لا يتفق معها تماما، لأنه بدعمه ذلك يسد الثغرة والطريق أمام الأبناء لتهميشها وتهميش دورها داخل العملية التربوية للأبناء، في المقابل هناك دائما وسائل أخرى أكثر فاعلية وأقل أضرارا جانبية لشد اهتمام الرجل إلى زوجته وأبنائه.

– تم نشر هذه التدوينة في موقع العرب

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد