بعد تفكير عميق، قررت الكتابة عن موضوع عاشوراء و قصة الحسين رضي الله عنه و كربلاء، لكنني أشير هنا إلى أن هدفي فقط هو تعريف عدد من الأصدقاء و المتابعين، ممن يجهلون كل شيء عن هذه الحادثة، بشكل مبسط و سهل، فأنا لست عالما أو باحثا خبيرا في التاريخ للدرجة التي تسمح لي بالإحاطة بالموضوع من كل جوانبه، فهناك من أفنى عمره في دراسة هذه الفترة الصعبة و الحرجة من التاريخ الإسلامي، و لن تستطيع سطور قليلة شرح كل شيء بطبيعة الحال.
بالنسبة لي، فقد كان أول احتكاك لي بهذه الواقعة، هو رواية "غادة كربلاء" للكاتب اللبناني جرجي زيدان، و هي الرواية التي صور فيها بشكل دقيق هول ما حصل في أرض كربلاء، و هذا ما جعلني أبحث أكثر في الموضوع، خصوصا أنني معجب بأسلوب هذا الكاتب في الحكي و السرد، لكنني لا أثق البتة في مصادره و معلوماته التاريخية التي يغلب عليها جانب معين، لغرض في نفس يعقوب كما يقولون.
على أية حال…
القصة طويلة كما قلت، و تبدأ من وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم، لكنني سأكتفي بما حصل منذ تولي يزيد بن معاوية للحكم بعد وفاة والده.
بعد استشهاد علي بن أبي طالب كرم الله وجهه على يد الملعون عبد الرحمن بن ملجم، بويع ابنه الحسن رضي الله عنه بالخلافة، لكنه تنازل عنها لمعاوية بن أبي سفيان بعد ستة أشهر فقط، حقنا للدماء، بشرط تشاور المسلمين فيما بينهم لاختيار الخليفة بعد وفاة معاوية، و بذلك انتقلت عاصمة الخلافة الإسلامية من الكوفة في العراق إلى دمشق في الشام.
عندما أحس معاوية بن أبي سفيان بدنو أجله، أخلف وعده السابق، و بايع ابنه يزيد على الخلافة، رغم أن الكثيرين كانوا أحق منه، و على رأسهم عبد الله بن الزبير، و ابن عباس، و الحسين بن علي بن أبي طالب، و غيرهم..
بعد وفاة معاوية و بيعة ابنه يزيد سنة 60 من الهجرة، و هو آنذاك في الرابعة و الثلاثين من عمره، وقع خلاف بين المسلمين بين مؤيد و معارض لهذه البيعة، خصوصا أن يزيد لم يكن ثقله بنفس ثقل الحسين رضي الله عنه، و بدا واضحا أن العصبية و القبلية عادت شيئا فشيئا لتحتل مكانها في قلوب العرب، بشكل معارض تماما لتعاليم الإسلام السمحاء، و التي ساوت بين الجميع و لم تفاضل بينهم إلا بالتقوى.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فقد فهم المسلمون أن نهج يزيد مخالف تماما لما عرفوه عن تقوى و ورع و زهد الخلفاء الراشدين، أبي بكر و عمر و عثمان و علي رضي الله عنهم أجمعين، فقد تشبه بالقياصرة و الأكاسرة، في البذخ و كنز الأموال و ارتداء الملابس النفيسة، و الخروج بالمواكب و الحاشية في رحلات الصيد و ما إلى ذلك، و ذهب البعض إلى القول أنه كان فاسقا يشرب الخمر و يلهو بالقرود و الله أعلم.
كما بدأت بعض العادات الجاهلية في الظهور مرة أخرى، و وقعت في عهد يزيد مصائب كبيرة هزت مشاعر المسلمين، كمعركة كربلاء موضوعنا، و استباحة المدينة المنورة التي ثارت على الأمويين و قتل من فيها في وقعة الحرة، و أيضا بدأ حصار مكة و قصف الكعبة بالمنجنيق فيما بعد توطئة للقضاء على ثورة عبد الله بن الزبير ضد الأمويين كذلك.
باختصار، لم يعد حال المسلمين في عهد يزيد كما كان عليه في فترة الخلافة الراشدة، و كثر الظلم و الفساد الذي استوجب التحرك الحازم و الصلب لوقفه.
لم يبايع الحسين رضي الله و عبد الله بن الزبير رضي الله عنه يزيدا بالخلافة، و كانا ساعتها في المدينة المنورة، و تلقى الحسين كتبا و رسائل كثيرة من أهل العراق و بالضبط الكوفة، يخبرونه فيها بمبايعته هو، و رفضهم لليزيد، و رغبتهم في الخلاص من الظلم و الفساد، و وفائهم لنهج أبيه علي بن أبي طالب، و مبايعتهم له جاءت عن اختيار و رضا كاملين، فهو لم يكن له دعاة هناك، و لكنها رغبتهم الخالصة.
بعد تلقي الحسين رضي الله عنه لرسائل و كتب كثيرة من أهل الكوفة، أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل لاستطلاع حقيقة الأمر و جليته، و كذلك كان.
عندما وصل مسلم إلى الكوفة، علم أن الناس هناك لا يريدون سوى الحسين بن علي بن أبي طالب، و بدأ الناس يتوافدون إلى دار هانئ بن عروة التي نزل بها مسلم بن عقيل، لمبايعته على بيعة الحسين رضي الله عنه.
في ذلك الوقت، كان النعمان بن بشير هو أمير الكوفة، و يبدو أن رد فعله لم يكن قويا، فلم يكترث للآلاف التي بايعت مسلم بن عقيل، لكن الأمر وصل إلى يزيد بن معاوية في الشام، فكان لابد له من التحرك لمواجهة هذا الخطر الحقيقي الذي يتهدده.
أمر يزيد بن معاوية بعزل النعمان بن بشير، و كلف والي البصرة، عبيد الله بن زياد، بتولي أمور الكوفة أيضا، و كان هذا الأخير سياسيا خبيثا، يملك الكثير من الدهاء في التعامل مع هذه الأمور، فوصل إلى الكوفة ملثما، و استطلع الأخبار فعرف أن الموضوع جد و أن الناس ينتظرون قدوم الحسين رضي الله عنه على أحر من الجمر.
عندما استقرت الأمور لمسلم بن عقيل في الكوفة، بعث إلى الحسين يخبره بأن الأمر قد تهيأ، فخرج رضي الله عنه يوم التروية من مكة، و سنعود لهذه النقطة فيما بعد.
هناك في الكوفة، تحرك عبيد الله بن زياد، فاحتجز هانئ بن عروة في قصره، و عندما علم مسلم بن عقيل بذلك، خرج و معه أربعة آلاف من أهل الكوفة و حاصروا قصر عبيد الله.
كما قلت سابقا، فعبيد الله هذا كان سياسيا ماكرا، واجه هذا الحصار بالحيلة و الدهاء، إذ بعث حاشيته قصد إخافة أهل الكوفة بجيش الشام، و إغرائهم بالعطايا و الهدايا، فصارت المرأة تأتي و تأخذ ولدها، و الرجل يأتي و يأخذ أخاه، حتى تفرق الجمع، و خذل الكوفيون مسلم بن عقيل، و لم يبق معه سوى ثلاثين رجلا فقط !
هنا يجب أن نشير إلى المشكل الجوهري، فرغم أن أهل الكوفة و العراق بشكل عام كانت قلوبهم مع الحسين، إلا أن الثقة بهم بشكل تام صعبة للغاية، فقد خذلوا علي بن أبي طالب و الحسن قبل هذا، و من السهل تغيير موقفهم بالقليل من التهديد و الوعيد، خصوصا أن القوة و المال و السلطة و الخبث و الدهاء كانت كلها بيد يزيد بن معاوية.
على أية حال، قتل مسلم بن عقيل على يد عبيد الله بن زياد، في يوم عرفة، و كان الحسين رضي الله عنه قد خرج من مكة قبل ذلك بيوم واحد، أي يوم التروية.
ما الذي حصل بعد ذلك ؟ تابعونا في الجزء الثاني و الأخير من قصة كربلاء الحسين رضي الله عنه
– تم نشر هذه التدوينة في موقع ساسة بوست
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.