التغير المناخي والتأثير على الصحة

فالمناخ الأكثر تطرفاً وتقلباً يمكن أن يدمر المنازل والمجتمعات، وبالطبع تهديد حياة ملايين من الأفراد والحيوانات؛ إذ تؤدي الزيادات غير المتوقعة في تواتر وشدة الفيضانات والعواصف إلى تدمير المنازل والمرافق الطبية، وغير ذلك من الخدمات الضرورية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/29 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/29 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش

حسب منظمة الصحة العالمية من المتوقع أن يفضي تغير المناخ في الفترة ما بين عام 2030 و2050 إلى نحو 250000 وفاة إضافية سنوياً من جراء سوء التغذية والملاريا والإسهال والإجهاد الحراري، كما من المرتقب أن تبلغ تكاليف الأضرار المباشرة على الصحة (أي باستثناء التكاليف المترتبة في القطاعات المحددة للصحة مثل الزراعة والمياه والإصحاح) ما بين مليارين إلى أربعة مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2030.

هذه الأرقام تبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك أنه ما عاد بالإمكان اليوم النظر إلى تغير المناخ بصفته قضية من قضايا البيئة أو التنمية فحسب، فبفعل التغيرات المناخية أصبحت صحة جميع السكان على الأرض ورفاهيتهم مهددة وبشكل جدي لا يقبل التهاون، وهو الشيء الذي تزداد آثاره تفاقماً يوماً بعد يوم.

فاليوم هناك إجماع واسع النطاق على أن حرارة كوكب الأرض آخذة في الارتفاع بسبب انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية.

ومن الواضح أيضاً أن الاتجاهات التي تسود استخدام الطاقة والتنمية والزيادة السكانية ستؤدي إلى حدوث تغيرات مناخية مستمرة وأكثر وخامةً.

ولا جدال على أن ارتفاع حرارة مناخ الكوكب وزيادة تقلباته من الأمور التي تهدد بارتفاع مستويات كثير من الغازات الملوثة للهواء وزيادة تنقل الأمراض بواسطة تلوث المياه وتلوث الغذاء والإضرار بالإنتاج الزراعي، خاصة في كثير من البلدان الأكثر فقراً والأقل نمواً.

كما أن تأثير الظواهر الجوية الشديدة كالأعاصير والفيضانات ونوبات الجفاف وموجات الحر ستكون فجائية وذات وقع شديد، ومن شأن كلتا النزعتين أن تؤثر على عديد من أكثر محددات الصحة الأساسية، أي الهواء والماء والغذاء والمأوى والسلامة من المرض.

* تجليات تأثير التغيرات المناخية على الصحة:


1-
انتشار الأمراض المُعدية: يطرح المناخ مشكلات عويصة فيما يتعلق بمكافحة الأمراض المعدية، والكثير من الأمراض الفتاكة شديدة الحساسية للمناخ من حيث درجات الحرارة وسقوط الأمطار، ومنها الكوليرا وأمراض الإسهال، وكذلك أمراض الملاريا وحمى الضنك وسائر العداوى المحمولة بالنواقل، كما أن من شأن الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية أن تهدد بإبطاء وتيرة التقدم الذي تحرزه دوائر الصحة العمومية في مختلف البلدان في العالم في مكافحة كثير من تلك الأمراض، بل إنه يهدد أيضاً بوقف ذلك التقدم أو تراجع وتيرته.

فبلغة الأرقام فالملاريا تتأثر تأثراً قوياً بتغيّر المناخ، فهي تودي سنوياً بحياة 800000 شخص تقريباً، ومعظمهم من الأطفال الأفارقة دون سن الخامسة.

وبعوض الزاعجة الذي ينقل حمى الضنك هو الآخر شديد الحساسية للظروف المناخية، وتشير الدراسات إلى أن تغيّر المناخ يمكن أن يعرض ملياري شخص آخر إلى انتقال حمى الضنك بحلول 2080.

ومن المرجح كذلك أن تتسبب تغيّرات المناخ في إطالة فصول انتقال الأمراض الهامة المحمولة بالنواقل، وفي تغيير نطاقها الجغرافي.

كما تؤثر التغيرات الجوية وظاهرة الاحتباس الحراري على خريطة توزيع الأمراض المُعدية في العالم بطرق غير مباشرة أيضاً، فالهجرة من مكان لآخر بسبب التغيرات المناخية قد يتسبب في انتشار الأمراض المعدية.

2- الأمن الغذائي: من شأن تغير المناخ أن يزيد من حدة تقلبات الإنتاج الزراعي على امتداد جميع مناطق العالم.

كما ستتعرض المناطق الفقيرة إلى أعلى درجات عدم الاستقرار في الإنتاج الغذائي، وفي المتوسط من المقدر أن تواكب أسعار المواد الغذائية الارتفاع المعتدل في درجات الحرارة بزيادات طفيفة إلى عام 2050.

ومن المرجح أن يتأثر الإنتاج الزراعي والغذائي سلبياً لدى العديد من البلدان النامية، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، بسبب تغير المناخ خاصة في البلدان ذات الدخل المحدود والمعدلات المرتفعة من الجوع والفقر؛ نظراً لكونها عرضة إلى حد كبير للآثار الجفاف والفيضانات والأعاصير.

كما أنه من المرجح أن يتسبب ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط هطول الأمطار في انخفاض إنتاج الأغذية الأساسية بمقدار 50% في كثير من أشد المناطق فقراً في بعض البلدان الإفريقية بحلول عام 2020، وسيؤدي ذلك إلى زيادة معدل انتشار سوء التغذية ونقص التغذية، وهما يتسببان حالياً في 3.1 مليون وفاة سنوياً.

فتكيف القطاع الزراعي لسياق تغير المناخ وإن كان ينطوي على تكاليف باهظة يعد أمراً حاسماً للأمن الغذائي، والحد من الفقر، وصون النظام الأيكولوجي.

ومن هنا، فإن الزخم الراهن من الاستثمارات في السياسات الزراعية المحسنة والمؤسسات والتقنيات تحقيقاً لغاية الأمن الغذائي، إنما يتيح فرصة فريدة لإدراج إجراءات الحد من التغير المناخي والتخفيف من آثاره في صلب الاستراتيجية المعتزمة لخدمة القطاع الزراعي.

3- تلوث الهواء: في كل عام تقريباً يقضي الموت على نحو 700000 نسمة لأسباب تُعزى لتلوث الهواء في المدن؛ حيث تسهم درجات الحرارة بشكل مباشر في الوفيات الناجمة عن الأمراض القلبية الوعائية وأمراض الجهاز التنفسي، وخصوصاً بين المسنّين، كما أن ارتفاع درجات الحرارة يزيد مستويات الأوزون وغيره من ملوثات الهواء التي تتسبب في تفاقم الأمراض القلبية الوعائية وأمراض الجهاز التنفسي.

كما أنه ترتفع مستويات مسببات الحساسية المنقولة بالهواء بسبب تغيّر أنماط الرياح المساهمة في نقل الغبار وحبوب اللقاح والجراثيم والعفن والمواد المسببة للحساسية والالتهابات الرئويّة والجلديّة في الهواء، خاصة في الحر الشديد، ومن المتوقع أن يزداد هذا العبء بفعل الزيادة المستمرة في درجات الحرارة، كما أن من شأن هذا الارتفاع أن يؤدي في زيادة الأوزون الأرضي؛ حيث يساهم ذلك في الزيادة من معدل وشدة نوبات الربو، ويسبب تهيج العين والأنف والسعال والتهاب القصبات الهوائية والتهابات الجهاز التنفسي.

4- الأمن المائي: تعتبر موارد الماء العذب شديدة الحساسية تجاه التغيرات التي تطرأ على الطقس والمناخ.

حيث يؤدي التغيير الذي يطرأ على أنماط سقوط الأمطار إلى التأثير على مصادر المياه العذبة، كما يخلّف شحّ المياه واختلال جودتها تدهوراً في الصحة وانخفاض مستوى النظافة الشخصية ممّا يزيد من مخاطر الإصابة ببعض الأمراض، أشهرها الإسهال الذي يودي سنوياً بحياة 60000 طفل دون سن الخامسة كل عام.

وفي الأحوال الشديدة تؤدي ندرة المياه إلى الجفاف والمجاعة، في حين يتوفى ثلاثة ملايين ونصف مليون نسمة بسبب سوء التغذية.

كذلك فإن نقص المياه العذبة سيؤدي إلى انخفاض إنتاج المواد الغذائية الأساسية بما يقارب 50% في بعض البلدان الإفريقية بحلول عام 2020 والذي بدوره سيزيد من معدل انتشار سوء ونقص التغذية، وذلك حسب منظمة الصحة العالمية.

إضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع منسوب البحار يؤدي إلى دخول المياه المالحة إلى المياه العذبة الجوفية وجداولها، وهذا يقلل كمية المياه العذبة المتوفرة للشرب والزراعة، كما أنه كذلك تؤثر درجات المياه الأكثر حرارة على جودة المياه وتزيد من سرعة تلوث المياه.

5- الكوارث الطبيعية وتهديد الحياة البشرية: يغيب الموت سنوياً حوالي 60000 نسمة نتيجة كوارث طبيعية؛ إذ بفعل التغيرات التي يشهدها العالم في مجال المناخ سيشهد كوكب الأرض تقلبات مذهلة ومدمرة ناتجة بالخصوص عن مختلف الظواهر الطبيعية غير العادية نتيجة هذا الأمر (درجات الحرارة المفرطة، الأمطار الطوفانية، الأعاصير المدمرة، الزلازل، البراكين..).

فالمناخ الأكثر تطرفاً وتقلباً يمكن أن يدمر المنازل والمجتمعات، وبالطبع تهديد حياة ملايين من الأفراد والحيوانات؛ إذ تؤدي الزيادات غير المتوقعة في تواتر وشدة الفيضانات والعواصف إلى تدمير المنازل والمرافق الطبية، وغير ذلك من الخدمات الضرورية.

كما ينتج عن الارتفاع التدريجي في مستوى سطح البحر، وخصوصاً عندما يجتمع مع اشتداد المد العاصفي إلى التسبب في زيادة تواتر وشدة الفيضانات الساحلية، وسيضطر السكان غير المحميين بشكل كافٍ إلى البحث في خاتمة المطاف عن أرض آمنة، مما يزيد غالباً الضغوط البيئية والاجتماعية في مواقعهم الجديدة.

وأيضاً فإن التصحر والجفاف الناشئ من الارتفاع الكبير في درجات الحرارة وما يخلّفه من خسائر في الأرواح البشرية، وخاصة في فئة الأطفال وكبار السن لعدم قدرتهم على احتمال الجفاف والجوع الشديد، وما يمثله مثل هذا المشهد الإنساني المأساوي من ضغوط كبيرة على ميزانيات بعض الدول للمساهمة في تغطية العجز القائم في مناطق الكارثة.

ولا ننسَ كذلك ظاهرة النينو وما ينشأ عنها من حرائق كثيرة وكبيرة الحجم يمكن أن تمتد إلى أيام في الدول الواقعة حول نطاق وجود هذه الظاهرة المناخية، وعلى الرغم من أن الحركة تقع في المحيطات، إلا أن التأثير البيئي السلبي يمتد إلى السواحل والداخل في الدول المطلة على المحيطات التي تظهر فيها الظاهرة.

كل هذا وذاك يبين بما لا يدع مجالاً للشك أن الاستخدام وإساءة استغلال الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة تترتب عليهما عواقب وانعكاسات مدمرة ومهددة للوجود البشري وصحته من على كوكب الأرض.

إذ على الرغم من أن تغير المناخ ظاهرة عالمية فإن عواقبه لا تكون موزعة بالتساوي؛ إذ يتفق العلماء على أن البلدان النامية والأكثر فقراً والدول الجزرية الصغيرة تكون أول وأشد المتضررين من الظاهرة، وهذا الأمر هو الذي يحتم على كل المؤسسات والدول في العالم إلى البحث عن حلول عاجلة وناجعة لمواجهة هذا التهديد.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد