لا حياد في المواقف الأخلاقية

كل تلك المشاعر التي يحرص الكثير على إظهارها أو التظاهر بها، إن صح التعبير، عن طريق (السوشيال ميديا) ومنصات التواصل الاجتماعي أو محيطهم الشخصي عموماً مع الأصدقاء في العمل أو اللقاءات العامة، ينفعلون ويتفاعلون بصورة لا تمت للواقع بِصلة، ليس واقع القضية التي يتداولونها وكأنهم معنيون بها، بل واقع شخصياتهم الحقيقية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/28 الساعة 04:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/28 الساعة 04:04 بتوقيت غرينتش

التظاهر بشعور معين كالحزن والفرح والتعاطف والبهجة العصبية والهجوم من أجل قضية معينة مجتمعية مدنية أو سياسية هو واجب اجتماعي تقوم بهِ تجاه أفراد مجتمعك، ملزماً بالتقيّد فيه في فترة معينة، وإن كنت في واقع الحال لست معنياً بالأمر، أو قد لا يهمك إن حدث هذا الحدث أو لم يحدث من الأساس، إن وقعت تلك الواقعة المأساوية أم مرت بسلام وبصورة أقل دموية!

إن فاز المنتخب الوطني لكرة القدم أو لم يفز، إن انتهكت الدول المجاورة حرمة أراضيك أم احترمت المعاهدات الدولية وحُسن الجوار وحافظت على نهجها السياسي السليم.

وقائع وأحداث لا تعنيك شخصياً، لكنها تعنيك أيديولوجياً وعقائدياً، يتوجب عليك أن تقف في صفوف سرب المغردين والمتحدثين عن ذلك الأمر، وأن تبدي رأيك الصريح الواضح، ولكن ليس الرأي الحيادي هنا تحديداً لا داعي للحياد في وقت كهذا أنصحك، وأشدد على أن لا تكون حيادياً.

أنت هنا أمام قضية، أمام مشكلة، أمام انتصار، أو انهيار يتوجب عليك أن تنضم لأحد الصفوف الاجتماعية معارض مؤيد لا فرق بينهما، الأهم أن تكون من ضمن أحد الفريقين.

الحياد في هذهِ الحالة ندعه لأهل الإعلام والصحافة والاختصاص، هذا إن كان ما زال هنالك حياد أصلاً.

كونك فرداً مستقلاً سيكون لديك انتماء وولاء لدينك، لبلدك، لمجتمعك، ولأبناء جلدتك، لإنسانيتك، لمبادئك وقيمك الثابتة.

كل تلك الانتماءات تحتم عليك الوقوف إلى جانب من تشاركهم الأفكار؛ لتسندهم وتقوي الحجة لديهم في سبيل تحقيق الهدف والغاية الأساسية التي أدت إلى اشتعال شرارة تلك القضية مهما كانت.

فالقضايا اليوم عديدة، فيها السعيدة وفيها الحزينة، وفيها ما يجعلنا نُشفق على أنفسنا وحال مجتمعاتنا، كيف وصل بنا الواقع إلى هذهِ النقطة المُتدنية؟
وما الذي يجعلنا نبالغ في التعبير عن أفراحنا أكثر مما ينبغي وكأننا متعطشون إلى تلك البهجة والسرور حتى يفقد الفرح ملامحهُ ورائحتهُ وجماليتهُ، ويتحول إلى ضرب من المبالغة الزائفة!

كل تلك المشاعر التي يحرص الكثير على إظهارها أو التظاهر بها، إن صح التعبير، عن طريق (السوشيال ميديا) ومنصات التواصل الاجتماعي أو محيطهم الشخصي عموماً مع الأصدقاء في العمل أو اللقاءات العامة، ينفعلون ويتفاعلون بصورة لا تمت للواقع بِصلة، ليس واقع القضية التي يتداولونها وكأنهم معنيون بها، بل واقع شخصياتهم الحقيقية.

ليتبين لنا أننا أمام جيوش ممن يتظاهرون بآراء ومشاعر في سبيل أن يكون لهم حضور وصوت ويشاركون في مسيرة خَلق الوعي الثقافي والفكري والنفسي أيضاً لدى مجتمع معين.

هم على يقين أن كلامهم لن يغير نتيجة خسارة المنتخب الوطني، ولا حتى توجيه أصابع الاتهام إلى حَكم المباراة كونه كان متحيزاً للفريق الآخر.

ولن تتغير صورة بلادهم في كون سيادتها ضعيفة أمام المجتمع الدولي، وأن صُناع القرار في بلادهم دُمى تسير بأوامر خارجية لا تمت للانتماء الوطني بِصلة.

ولن تبرد دموع أمهات الشهداء بخسارة فلذات قلوبهن.
تعاطفنا لن يغير مجرى القضية، هو فقط يجعلها ذات صدى أكبر وأوسع بين عامة الناس، يمنحها شرعية وأهمية بين الأوساط المعنية.

وفي المقابل، يجعل الفرد العادي يشعر بأن تعبيره المعارض أو المؤيد صورة من صور ممارسة الديمقراطيّة بمفهومها العصري كالدول المتقدمة!

يؤسفني أن أخبرك -عزيزي القارئ- أن الديمقراطيّة لا تعني أن تشارك كلماتك وآراءك الشخصية من خلال جُمل رنانة وكلمات قاطعة كالسيف، وعلى الرغم من كل هذا فإن ما تقوم بهِ كأن تستنكر أو تشعر بالفخر أو ربما تقاسم الغاضبين والمحتجين الغضب والهجوم من خلف الشاشات لا أكثر.

هو في الحقيقة واجب اجتماعي تقوم به وهو أضعف الإيمان بالنسبة لك، وأفضل طريقة ترضي بها غرور انتمائك وولائك أمام مجتمعك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد