المتابع لوسائل الإعلام، خاصة العربية منها، يجد أن معاناة المسلمين الروهينغا وما يتعرضون له من مذابح وتهجير قسري على يد قوات الجيش وجماعات بوذية في ميانمار، كانت حديث الساعة منذ الخامس والعشرين من أغسطس/آب ولعدة أيام؛ إذ اندلعت موجة جديدة من الانتهاكات بحق العِرقية المسلمة التي صنّفت على أنها الأكثر اضطهاداً في العالم، وهو اهتمام بلا شك مطلوب وضروري بل واجب.
لكن مؤخراً بدأ يتبدد هذا الزخم الإعلامي حول معاناة الروهينغا، وهو تكرار لما حدث بُعيد المذابح التي طالت نفس العرقية في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2016، أو في منتصف عام 2012، وهو ما تكرر أيضاً مع واقعة اعتقال عشرات الطلاب من تركستان الشرقية في مصر في يونيو/حزيران من العام الجاري 2017، إلا أن طلاب تركستان غابوا تماماً عن مساحة الإعلام العربي رغم أن معظمهم لا يزال قيد الاعتقال في مصر حتى كتابة هذه السطور.
هل ثمة تقصير؟ أم أن إعلامنا العربي ليس بمقدوره تبنّي قضية حتى نهايتها؟ أم أن هناك قضايا استجدت أشد أهمية وأكثر إلحاحاً لم تترك مجالاً ولو لنافذة واحدة الاستمرار في متابعة قضايا المسلمين حول العالم؟
بقليل من الجهد في متابعة وسائل الإعلام العربية تستطيع أن تكتشف بسهولة أن المسلمين حول العالم في الدول غير المسلمة (الأقليات المسلمة) يحظون فقط باهتمام انتقائي ومؤقت من قِبَل الإعلام العربي يرتبط حضوره فقط بوقوع مذابح أو تهجير قسري لهؤلاء المسلمين، أو بصلوات التراويح في شهر رمضان أو الأعياد، وبمجرد ما أن ينشغل العالم بحدث آخر سرعان ما ينصب هذا الاهتمام على الحدث الجديد، ويتبدد الزخم الإعلامي فجأة وكأن شيئاً لم يحدث، وفي حقيقة الأمر هذا اهتمام مبتور يعرض فقط جزءاً من الصورة ويتجاهل أجزاء كثيرة، فالتركيز المرهون فقط بالبكائية والمرتبط باضطهاد المسلمين هؤلاء، ينقل إليك الصورة ناقصة، أغفلت قصصاً كثيرة من النجاحات وتعايش المسلمين في المجتمعات غير المسلمة وكيف أسهموا في نهضتها ويغيب معها السؤال الأهم ألا وهو: ما هو دور المسلمين أنفسهم تجاه مجتمعاتهم غير المسلمة التي تفتح لهم الباب وتمنحهم حقوق المواطنة والتعايش؟ فالزخم الإعلامي المصاحب فقط للأقليات المضطهدة وللأسف ليته اهتمام مستمر باستمرار الاضطهاد لكنه حتى اهتمام مؤقت رغم استمرار الاضطهاد من عشرات السنوات، مثل واقع المسلمين الروهينغا، دون تسليط الضوء على الواقع الإيجابي لملايين المسلمين في دول أخرى، للأسف هذه المعالجة المنقوصة رسخت صورة ذهنية مغلوطة بشكل غير مباشر لدى المشاهد أو القارئ، قد يستشعر معها أن المشكلة في الإسلام أينما حلّ وفي المسلمين، في تجاهل تام للتوازن ما بين مسلمين توفرت لهم سبل التعايش المشترك فانطلقوا يقومون بدورهم في خدمة مجتمعاتهم غير المسلمة، وآخرين حرموا من مجرد الحقوق.
هنا الفارق، لكن هذا الفارق يتضح فقط عندما تعرض الصورة كاملة وقت الدماء ووقت البناء.
فالانتقائية الإعلامية عربياً صنعت بشكل غير مباشر جداراً عازلاً إلى حد بعيد ما بين المسلمين في البلدان العربية والإسلامية، والمسلمين في الدول غير المسلمة الغائبين عن الصورة إلا قليلاً، وجعل ذلك أجيالاً كاملة من أبنائهم يفتقدون الشعور بالانتماء إلى أمة واحدة، فهم جزء كبير غائبون عن الصورة، وبالتالي فالصورة لا تزال ناقصة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.