الجرح الأول هو الأعمق
لقد عشت أول حرقة حب في سن المراهقة، كنت أقف عند محطة الحافلات، تائهة ومحطمة النفس.
أخرجت هاتفي نوكيا 3310 الوفي، واتصلت بأبي؛ كانت عيناي مغرورقتين، إلى درجة كنت أبدو قبيحة المظهر، غير قادرة على التنفس بشكل صحيح، أنفي يسيل، ووجهي شديد الحمرة، أجهش بالبكاء.
اتصلت بأبي لأنني كنت حينئذ في أمَس الحاجة إليه ليطمئنني ويواسيني.
كان أبي أكثر ما يعشق، المحادثة والكاريزما، لم أجده يوماً تخونه الكلمات أو يصعب عليه الحديث في أي مجال من المجالات، لكن عندما تعلق الأمر بابنته الصغيرة وأول حرقة غرام تلسعها، تعثر لسانه وتلعثم، وخانته الكلمات، وعرفت عندئذ أنه يتألم من أجلي، ثم انطلق في غناء مقطع أغنية ( بكل جِد…)
مطلعها: الجرح الأول هو الأعمق
لم أنسَ أبداً كلمات أغنية كات ستيفنز.
عندما يقع شابان في الحب للمرة الأولى، يمكن بكل ثقة القول إنهما لا يدركان حقيقة ما الذي وقعا فيه. قلب ساذج، لم يسبق له أن تأذى؛ قلب لم يلطخ لا يعرف القيود؛ صفحة بيضاء ناصعة لم يتم التلاعب بها من قبلُ.
حب الشباب ينسج خيوطه في عالم غير معقد، ويأتي حتى قبل الحسابات المصرفية المشتركة، والممتلكات المشتركة، والأصهار، ورياضة الأطفال.
حب الشباب قوي وغير عقلاني، ومجهد يستنفد كل الطاقات، ويسبب الإدمان، ويترك ندبة غائرة لا تمحى حتى بعد انتهاء لهيب الحرقة.
هذا لا يعني أن نوبات العشق اللاحقة تقل ألماً (والله يعلم كم أتمنى لو كانت كذلك)، غير أنها تؤذي بشكلٍ مختلفٍ، ويتغير مشهد الهواجس مع مرور الوقت، مع زيادة نضج التكيَف الطبيعية.
ولكن هل هناك سبب يفسر لماذا لا يمكن نسيان الحب الأول؟
هذا ما يعتقده علماء النفس، ويطلقون عليه اسم "تأثير الأولوية"، بحيث تكون الأحاسيس العاطفية الفياضة التي نعيشها لأول مرة ["الأوليات"] (التي يغذيها عامل "الجِدة") محفورةً عميقاً في نفوسنا، تحركها حيوية لا يبدو عليها النزوع إلى التلاشي.
وبعبارات بسيطة، تستحوذ جميع الذكريات مثل القُبلة الأولى (بدلاً من الثانية، أو العشرين)، ويومنا الأول في وظيفة جديدة (بدلاً من الخمسين)، وولادة الطفل الأول… على كافة حواسنا في وقت واحد، وتجعل هذه الذكريات أكثر احتمالاً للرسوخ في نفوسنا وذاكرتنا.
في الواقع، يعتقد بعض علماء النفس أن لدينا جميعاً ما يسمونه "عثرة الذاكرة" بين سن 15 و 26 (يبدو أننا نحافظ على المزيد من الذكريات خلال هذه الفترة العمرية، ونذكرها لاحقاً بشكل أكثر وضوحاً) لأننا نعيش الكثير من أحداث "الأوليات" خلال هذا الجزء من حياتنا.
إذا وضعنا علم النفس جانباً، فالشيء الرئيسي الذي يفصل الحب الأول ويميزه عن جميع الآخرين – كونه المرة الوحيدة التي يقع المرء في الحب من دون أن يكون قد خبِر من قبل التجربة القاسية للقلوب المحطمة، وهذا يعزز الميل إلى الحب من دون مثبّط، وغياب هاجس الحفاظ على الذات.
هذا لا يعني أن نوبات العشق اللاحقة تقل ألماً (والله يعلم كم أتمنى لو كانت كذلك)، غير أنها تؤذي بشكل مختلف، ويتغير مشهد الهواجس مع مرور الوقت، مع زيادة نضج التكيف الطبيعية.
يمكنك التعافي وتحسين وضعك من خلال تخطي منحدرات اللاعقلانية، ولحسن الحظ، في الغالب ما تجلب جراح الحب الأول معها بعض الدروس الهامة أثناء اندمالها.
ولهذا السبب لو قُدّر لي أن يكون لي أطفال، كيف يمكنني رعايتهم ومساعدتهم على اجتياز حقل الألغام الذي تنسج خيوطه حرب حرقة الحب الأولى؟
فبعد أن أسمعهم البعض من أنغام كات ستيفنز، سأحاول أن أغرس فيهم أهمية التعامل مع أي علاقة جديدة كما لو أنها الأولى من نوعها.
حياة مستنفدة ليست أكثر من ندوب قديمة، وبكل صراحة، هذه ليست حياة على الإطلاق، فلا تخشَ إذن أيها الشاب المقدام التجارب القاسية، واركب غمارها، فلا محالة، سترسو يوماً حيث يفترض أن تكون.
هذا الموضوع مترجم عن النسخة الأسترالية من "هاف بوست". للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.